منتدى الحميم الثقافي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تكملة المتدارك* ـ دراسة ـ بقلم : محمود مرعي

اذهب الى الأسفل

تكملة المتدارك* ـ دراسة ـ بقلم : محمود مرعي Empty تكملة المتدارك* ـ دراسة ـ بقلم : محمود مرعي

مُساهمة  محمود مرعي الأربعاء يناير 27, 2010 3:11 am

شوارد العرب وما أدراك ما شوارد العرب
مقدمة :
" إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً ، وَإِنَّ مِنَ الْبَيانِ لَسِحْرًا " (1) هذا الحديث النبوي الشريف ، يروى بطرق عدة ، وقال (2) في شرحه الحديث : { الحديث مشهور رواه أصحاب الصحاح وغيرهم ، ورواية المؤلف ملفقة من روايتين ، فقد وردت كل جملة من طريق ، فأما الجملتان معا فقد جاءتا في حديث ابن عباس عند أحمد وابن ماجة هكذا " إِنَّ مِنَ الْبَيانِ سِحْرًا وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حُكْمًا " وعند ابن عساكر من حديث علي باللام وله تتمة وهي " وَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ لَجَهْلاً وَإِنَّ مِنَ الْقَوْلِ عِيالاً". وعند ابن حزم (3) : " إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا " بكسر الحاء وفتح الكاف ، وعند أبي الحسن العروضي (4) : " وقال النبي صلىالله عليه وسلم : " إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً " بكسر الـحاء وتسكين الكاف ، وعند العسكري (5) : " إِنَّ مِنَ الْبَيانِ لَسِحْرًا " وعاد وقال (6) : " إِنَّ مِنَ الْبَيانِ لَسِحْرًا ، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحُكْمًا ، وَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ جَهْلاً وَإِنَّ مِنَ الْقَوْلِ عِيالاً " بضم الحاء وتسكين الكاف من " لَحُكْمًا " . وعند الـميداني (7) : " إِنَّ مِنَ الْبَيانِ لَسِحْرًا " . وفي اللسان : ـ مادة ـ حَكَمَ : قال " وفي الحديث " إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحُكْمًا " بضم الحاء وتسكين الـكاف . ولو تقصينا سنجد روايات أخرى . لكن ما يعنينا هنا ، هو المعنى البعيد والعميق للحديث ، الذي أكثر ما يرد كتعليق على من يكره الشعر للرد عليه ، أو إن تضمن الشعر شيئا من الحكمة والأمثال . وفي اللسان : ـ مادة ـ حَكَمَ ـ قال في المعنى " أي إن من الشعر كلاما نافعا يمنع من الجهل والسفه وينهى عنهما ، قيل : أراد بها المواعظ والأمثال التي ينتفع الناس بهما " . وفي مادة ـ مَثَلَ : " الشيء يضرب به لشيء مثلا فيجعله مثله .
إذا تأملنا في نص الحديث ، وجدنا أن الحكمة اسم يجمع الموعظة والمثل ، وعليه فإن المثل جزء من الحكمة ، ولو ذهبنا نفسر الـحديث بالقول : " إن من الشعر أمثالا ومواعظ ، لم نخطئ ، وكذلك لو قلنا : إن بعض الأمثال شعر ، لم نخرج عن الصواب ، لأن الحديث يعني ضمن ما يعنيه أن بعض الحكمة من الشعر ، هذا من ناحية ، فإذا وجدنا أن المثل جمع إلى جانب كونه حكمة الوزن العروضي والايقاع ، لم يعد مـجال للشك أن المثل إياه بيت شعر أو شطر بيت ، بل يصبح الشك إن أبينا قبوله في دائرة الشعر ، لأنه برأينا من صلب الشعر ، وعملية التقطيع العروضي تحدد وزنه وبحره الذي يندرج ضمنه .
وهذا باب واسع جدا ، وفيه أوزان وأشكال تكاد لا تحصى ، بل إن قسما كبيرا جدا من هذه الأوزان ، لا يقع في الدوائر العروضية الموجودة والـمأخوذة عن الخليل، فإذا علمنا أن الأمثال والشوارد سابقة على وضع الدوائر ، أدركنا أنها الأصل الأول تـماما كما كانت أشعار العرب أصلا لبناء الدوائر عند الخليل ، وهناك قول بما معناه ، " ما وصلنا من شعر العرب إلا أقله " ، أما لماذا وقف الخليل عند ما أورد ، فأمر لا نعلمه ولا نحكم فيه ، ثم إن عدم ورود هذه الأوزان في الدوائر ، لا يعني أن العرب لم تعرفها ، لأن ورودها في الأمثال السائرة والشوارد الباقية المسافرة عبر الزمان ، دليل واضح أن العرب عرفت هذه الايقاعات والأوزان .
وقد ذكر الميداني (Cool جزءا من الحديث على أنه مثل ، وذكر قصته ، وليس هذا ما نطلب ، إنما بغيتنا في التقطيع العروضي له وهو : " إن من البيان لسحرا = فاعِلُ فاعِلُنْ فَعِلاتُنْ " وهذا مجزوء المتدارك وفيه فاعِلُ ويـمكن توليد قراءة أخرى " مُسْتَعِلُنْ فَعولُ فَعولُنْ " مع أن الأولى تستقيم أكثر ، وهنا نؤكد على تنزيهنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن قول الشعر ، حتى مع موافقة الوزن العروضي ، وقد أسهب العلماء والفقهاء وأهل العروض في بيان هذه المسألة فلاحاجة للاعادة .
ويقول المعري :{ ولولا أن الوزن الذي يسمى ركض الخيل وزن ركيك ، لوجب على نقيب الشعراء أن يتقدم إليهم ألا ينشدوا " السيد عزيز الدولة " ـ أعز الله نصره ـ شعرا في هذه الآونة ، إلا على ذلك الوزن ، ولكنه وزن ضعف وهجرته الفحول في الـجاهلية وفـي الاسلام . وربـما تكلفه بعض الشعراء كما قال :
أَوَقَفْتَ عَلى طَلَلٍ طَرَبًا
فَشَجاكَ وَأَحْزَنَكَ الطَّلَلُ(9)
كلام المعري بشير بوضوح إلى وجود الوزن في الجاهلية " ولكنه وزن ضعف وهجرته الفحول في الجاهلية وفي الاسلام " . وهذا يدل على معرفة العرب للوزن منذ الجاهلية ، واستعماله بلا أدنى شك .
نتابع الحديث ، فلو أخذنا هذا المثل :
أَزِمَتْ شَجَعاتُ بِما فيها(10) . وجدنا تقطيعه ، والتقطيع هنا حسب طريقتنا الرياضية:
>>×|>>×|>>×|××
فَعِلُنْ / فَعِلُنْ / فَعِلُنْ / فَعْلُنْ
وهذا شطر المتدارك ، وفي رواية أخرى :
أَزِمَتْ شَجَعاتٌ بِما فيها(11) . وتقطيعه :
>>×|>>×|×>×|××
فَعِلُنْ / فَعِلُنْ / فاعِلُنْ / فَعْلُنْ
ولا يختلف الأمر فما زال شطر المتدارك ، وبالامكان الوقوف على إيقاعات وأوزان لم ترد في الدوائر كهذا المثل :
جاءُوا بِالْحَظَرِ الرَّطْبِ (12)
×××> | >×××
مَفْعولاتُ / مَفاعيلُنْ = ويمكن بالزحافات قراءته على المتدارك مثلا :
جاءُوا بِالْحَظَرِ الرَّطْبِ
×× |×>> | ×××
فَعْلُنْ / فاعِلُ / فَعْلاتُنْ
أو هذا المثل :
جاءَ السَّيْلُ بِعودٍ سَبِيٍّ (13)
×××> | >××|>××
مَفْعولاتُ / فَعولُنْ / فَعولُنْ
أو هذا المثل :
تَهْويدٌ عَلى رُيودٍ (14)
×××> |×>××
مَفْعولاتُ / فاعِلاتُنْ
أو بقراءة أخرى " فَعْلُنْ فاعِلُنْ فَعولُنْ " .
أو هذا المثل :
جَلَّ الرَّفْدُ عَنِ الْهاجِنِ (15)
×××> | >×× |>×
مَفْعولاتُ / فَعولُنْ / فَعو
ويمكن بقراءة أخرى مع تسكين آخر كلمة " الْهاجِنْ " .
جَلَّ الرَّفْدُ عَنِ الْهاجِنْ
×× |×>> | ×××
فَعْلُنْ / فاعِلُ / مَفْعولُنْ
ويمكن بقراءة أخرى أيضا :
جَلَّ الرَّفْدُ عَنِ الْهاجِنْ
×××> | >×××
مَفْعولاتُ / مَفاعيلُنْ
والايقاع الموسيقي سائغ ومقبول ويمكن قراءة أخرى مع بقاء حركة " الْهاجِنِ " " فَعْلُنْ فاعِلُ مُسْتَفْعِلُنْ " .
ونعلم ماذا يمكن أن تضيف الزحافات والعلل من التنويع الموسيقي .
وهذه الأمثال من ناحية الموسيقى والايقاع والوزن العروضي ، كلها سائغة سماعيا ، وقابلة للتخريج العروضي .
بهذا ارتأينا أن نقدم للموضوع " شوارد العرب " وعلاقة المتدارك بها ، وتفعيلة " فاعل " ثم وصولا إلى المتدارك العشري ، وهو ما اجتهدنا في تبيانه في الصفحات القادمة .
ونشير إلى أننا التزمنا الدقة فـي النقل والتشكيل ، رغم مخالفة ذلك أحيانا قواعد النحو والصرف ، { ومعروف أن الْمثل لا يتغير ، بل يجري كما جاء على الألسنة وإن خالف النحو وقواعد الصرف ، فقد جاء فـي أمثالهم " أعط القوس باريها " بتسكين الياء في " باريها " والأصل فتحها ، وجاء في أمثالهم " أجناؤها أبناؤها " جمع جان وبان ، والقياس الصرفي جناتها وبناتـها لأن فاعلا لا يجمع على أفعال" . (16)
وقد أشرنا إلى شيء من هذا القبيل في هذا الباب ، في الـمثل " مَنْ يَأْكُلُ خَضْمًا لا يَأْكُلُ قَضْمًا " (17) ، ومعروف أن مَنْ أداة شرط ، تحتاج إلـى فعل الشرط وجوابه و "يَأْكُلُ " هي الفعل ، و " يَأْكُلُ " الثانية هي الجواب ، وحقهما الجزم لا الرفع .
جولة في شوارد العرب
حتى وقت قريب كنت من المقتنعين أن تفعيلة " فاعِلُ " ، هي حقا من إبداع الشاعرة نازك الملائكة ، إلا أنه اقتناع كان يشوبه الشك ، فهل يعقل أن أمة تملك تراثا هائلا رهيبا كأمة العرب ، لم تكتشف ولم تمر على لسانها مثل هذه التفعيلة ، ولم يمض وقت طويل حتى بدأت الصورة تتضح ، ومفادها استحالة عدم ورودها في هذا التراث الضخم ، والسبب بسيط جدا وهو سهولة دخول هذه التفعيلة في ثنايا المتدارك ، وفي كثير من الأحيان دون أن يدرك الشاعر ويحس بذلك ، وهنا أزعم أن " فاعِلُ " موجودة ، وعرفها العرب ليس في العصر الحديث ، أو الأندلسي ، بل في الجاهلية .
وقد استعملها سلفنا بكثرة ظاهرة حتى دون وجود صورتـها في دوائر العروض ، وقد كانوا على معرفة تامة بها وبالتفعيلة الأخرى " فَعْلُنْ " ولا بأس أن نبدأ باقتباس قول الشاعرة نازك الملائكة ، فـي شأن " فاعِلُ " : { ثم جاء العصر الحديث فإذا نحن نـحدث تنويعا جديدا لم يقع فيه أسلافنا ، ذلك أننا نحول " فَعِلُنْ " إلى " فاعِلُ " .
وليس في الشعراء فيما أعلم من يرتكب هذا سواي ، بدأت فيه منذ أول قصيدة حرة كتبتها سنة 1947 ، ومضيت فيه حتى الآن " (18) هذا قول الشاعرة نازك الملائكة ، وهو قول غير دقيق ، ذلك أن شوقي استعمل التفعيلة " فاعِلُ " قبل الأستاذة نازك بـ 50 سنة ـ أي 30 سنة قبل أن تولد الأستاذة نازك الـملائكة . وقد سبقها أيضا خليل مطران ، ايليا أبي ماضي ، وهؤلاء مسبوقون منذ العصور القديمة ، وقد ذكرنا فـي المتدارك بيتا لابن الجوزي فيه " فاعِلُ " .
احتجت الأستاذة نازك الملائكة بقولها :
كانَ الْمَغْرِبُ لَوْنَ ذَبيحِ وَالأُفْقُ كَآبَةَ مَجْروحِ (19)
××|×>>| ×>>| ×× |××|>>×| >>×|××
فَعْلُنْ / فاعِلُ / فاعِلُ / فَعْلُنْ | فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فَعِلُنْ / فَعْلُنْ
ونعلم أن بيت ابن الجوزي الذي ذكرناه في المتدارك يكفي للرد والتفنيد:
يَنْساكَ الأَهْلُ إِذا رَجَعوا |عَنْ قَبْرِكَ لا تَسْمَعُ كَذِبَا (20)
××| ×× |>>×|>>× | ××|>>×|×>>|>>×
فَعْلُنْ / فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فَعِلُنْ فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فاعِلُ / فَعِلُنْ
ونتابع : وردت " فاعِلُ " مرتين " في صدر بيت الشاعرة ، على أن تفاعيل صدر البيت كما وردت عندها " فَعْلُنْ فاعِلُ فاعِلُ فَعْلُنْ " ، موجودة بصورتها هذه بالتمام والكمال منذ العصور القديمة ، وسنأتي على ذكرها ، لكن سنبدأ بذكر أشعار من سبقها :
أحمد شوقي :
جارٍ وَيُرى لَيْسَ بِجارِ |لأَناةٍ فيهِ وَوَقارِ (21)
××|>>×|×>>|×× |>>×|××| ×>>|××
فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فاعِلُ / فَعْلُنْ فَعِلُنْ / فَعْلُنْ / فاعِلُ / فَعْلُنْ
ظهرت " فاعِلُ " في الصدر والعجز .
وله أيضا :
نَبْتَدِرُ الْخَيْرَ وَنَسْتَبِقُ | ما يَرْضى الْخالِقُ وَالْخُلُقُ (22)
×>>|××| >>×|>>× | ××| ×× |>>×|>>×
فاعِلُ / فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فَعِلُنْ | فَعْلُنْ / فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فَعِلُنْ
ظهرت " فاعِلُ " في بداية البيت .
وله أيضا :
لا تَقْدِرُ غَيْرُ اللهِ يَدٌ | لا أَذِنَ اللهُ تُهَدِّدُهُ (23)
××|>>×|××|>>× | ×>>|××|>>×|>>×
فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فَعْلُنْ / فَعِلُنْ | فاعِلُ / فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فَعِلُنْ
ظهرت فاعل في بداية العجز .
نَتَّخِذُ الشَّمْسَ لَهُ تاجَا | وَضُحاها عَرْشًا وَهَّاجَا (24)
فاعِلُ / فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فَعْلُنْ | فَعِلُنْ / فَعْلُنْ / فَعْلُنْ / فَعْلُنْ
ظهرت فاعل في بداية البيت .
خليل مطران :
ما بَيْنَ لُصوصٍ وَلُصوصٍ | فَرْقٌ فِي الأَعْلى وَالأَدْنَى (25)
××|>>×|×>>|×× | ×× | ×× |×× | ××
فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فاعِلُ / فَعْلُنْ | فَعْلُنْ / فَعْلُنْ / فَعْلُنْ / فَعْلُنْ
ظَهَرَتْ " فاعِلُ " فِي صَدْرِ الْبَيْتِ .
إيليا أبو ماضي :
راوَدَنِي النَّوْمُ وَما بَرِحا | حَتَّى طَأْطَأْتُ لَهُ رَأْسي
×>>|×× |>>×|>>× |×× |×× |>>× |××
فاعِلُ / فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فَعِلُنْ | فَعْلُنْ / فَعْلُنْ / فعِلُنْ / فَعْلُنْ
فَوَقَفْتُ بَعيدًا أَتَطَلَّعْ | فَلَمَحْتُ ثَلاثَةَ أَشْباحِ (26)
>>× |>>× |×>>| ×× |>>×|>>×|>>×|××
فَعِلُنْ / فَعِلُنْ / فَاعِلُ / فَعْلُنْ | فَعِلُنْ / فَعِلُنْ / فَعِلُنْ / فَعْلُنْ
ظهرت " فاعِلُ " في صدر البيت :
أَوْ نَجْبُلُ ماءَ وَتُرابَا | وَنُشيدُ بُيوتًا وَقِبابَا (27)
×× |>>×|×>>|×× | >>×| >>×|×>> | ××
فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فاعِلُ / فَعْلُنْ | فَعِلُنْ / فَعِلُنْ / فاعِلُ / فَعْلُنْ
ظهرت " فاعِلُ " مرتين في الصدر والعجز .
والبيت الذي يليه :
أَوْ نَجْعَلُ مِنْهُ أَنْصابَا | أَوْ نَصْنَعُ حَلْوى وَكَبابَا
×× |>>×|×× | ×× ×× | >>×|×>>|××
فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فَعْلُنْ / فَعْلُنْ | فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فاعِلُ / فَعْلُنْ
نرى أنه مد حركة الهاء في ( منهُ) وحقها الخطف ، لان هاء ضمير الغائب تقرأ خطفا بعد الساكن ، وتشبع وتمد بعد المتحرك . ومنها نفس الصفحة :
ما تَضْحَكُ مِنِّي بَلْ مِنْكا | إِيَّاكَ أَنا لَوْ تَتَذَكَّرْ
×× | >>×| ××| ×× | ×× |>>×|×>> | ××
فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فَعْلُنْ / فَعْلُنْ | فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فاعِلُ / فَعْلُنْ
ظهرت " فاعِلُ " في عجز البيت .
في ما ذكرنا كفاية لدحض ادعاء الأستاذة نازك الـملائكة . ولكن ليس هذا ما نرمي إليه ، بل نهدف إلى التقصي في أعماق الذاكرة التراثية التي لن تبخل علينا ، وهنا نصل إلى بيت القصيد .
ونسأل هل نظرنا في شوارد العرب وأمثالهم نظرة إيقاعية فاحصة ؟ لا أعتقد ذلك ، فلو نظرنا لهالنا ما فيها من الأوزان والايقاعات والموسيقى ، ولو سألنا ما هو المثل وما خصائصه ومـميزاته التي أهلته للبقاء بلا فناء ؟ { يجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام ، إيجاز اللفظ ، وإصابة المعنى ، وحسن التشبيه ، وجودة الكناية ، فهو نهاية البلاغة }(28) .
يتحدثون اليوم عن التكثيف والصورة ؛ إن الأربعة التي امتاز بـها المثل كلها في الشعر ، فإذا أضفنا الوزن فهو الشعر كله ، و { من ينعم النظر في الأمثال الجاهلية ، يجد طائفة منها توفر لـها ضروب من القيم التصويرية والموسيقية ، ففيها أحيانا تشبيه واستعارة وكناية وتمثيل وفيها أحيانا أخرى صقل وسجع وتنميق } (29) .
{ وما من ريب في أن هذه الأمثال تستحوذ على ضروب من الجمال الفنـي ، يرجع بعضها إلى اختيار ألفاظها وصيغها ، ويرجع بعضها الآخر إلى ما تعتمد عليه من تصوير أو سجع وتوقيع }(30) ولا يخالفنا الرأي أحد في أن الـمثل يصاغ بدقة فائقة وألفاظ بليغة وجيزة سهلة الحفظ ، وبايقاع موسيقي يكسبها نغمة تعذب في الأسماع .
والعرب : {في جميع آثار نثرهم وشعرهم نجد آثار هذه الرغبة الملحة في استمالتهم الأسماع بـجمال منطقهم وخلابة ألسنتهم ، وقد دفعتهم تلك الرغبة دفعا إلى تـحسين كلامهم وتحبير ألفاظهم حتى في أمثالهم }(31) وفي الشعر هناك " الْبَيْتُ الْيَتيمُ " وهو ما كان حكمة أو مثلا ، وهنا أيضا تبدو العلاقة وثيقة جدا لا تنفصل ، ومراجعة كتب الأمثال تكشف أنـها صيغت وفق إيقاع موسيقي وأغلبها مطابقة لأوزان العروض ، والحديث هنا ليس عن الأبيات أو أشطارها في الأمثال ، لأنني وجدت أمثالا على أوزان العروض كلها ، وفـي الأمثال الموافقة للمتدارك وجدت ذا التفعيلتين والثلاث والأربع والخمس والست والسبع ، ووجدت الأمثال قد اشتملت على أشكال فاعِلُنْ كلها ، ومنها " فاعِلُ " ، وهنا أنبه إلى الطريقة التي سلكتها في التخريج ، فلم أقبل إلا ما وافق المتدارك حصرا ، وما شابه غير المتدارك لم أقبله ، كالرجز في حال طي مُسْتَفْعِلُنْ كلها ، أو السريع ، والرمل والمديد فـي حال الخبن أو عدمه ، فكل هذا كنت أتركه منعا للتفسير المغاير ، ووقفت فقط على ما وافق المتدارك ، ولا يمكن تفسيره إلا بالمتدارك ونبدأ :
أَيُّ قَميصٍ يَصْلُحُ لِلْعَرْيانِ | أَيُّ طَعامٍ يَصْلُحُ لِلْغَرْثانِ (32)
×>> | ×× | ×>>| ××| ×× | ×>> | ×× | ×>>| ×× | ××
فـاعِلُ / فَعْلُنْ / فاعِلُ / فَعْلُنْ / فَعْلُنْ | فـاعِلُ / فَعْلُنْ / فاعِلُ / فَعْلُنْ / فَعْلُنْ
نلاحظ تساوي الإيقاع في الشطرين ، وفي الأصل " أَيُّ قَميصٍ لا يَصْلُحُ ..." لكن نظن أن هناك خطأ ، فاشتمال شطر على " لا " يوجب اشتمال الشطر الثاني عليها وحتى لو أضفناها فالوزن من الـمتدارك ، وتظهر " فاعِلُ " في الشطرين . أمر آخر ، وهو أن التفاعيل عشر تفاعيل ، في كل شطر خمس ، والـمثل من أمثال المولدين ، وفي الأصل جاءا فوق بعضهما ، ويظهر أنهما قسما وفصلا ليكون كل منهما مثلا قائما بنفسه ، ونكتب الشطر الأول كما ورد في المصدر :
أَيُّ قَميصٍ لا يَصْلُحُ لِلْعَرْيانِ (33)
×>> |×× | ×× |>>× | ×××
فاعِلُ / فَعْلُنْ / فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / مَفْعولُنْ
ونظل في إيقاع المتدارك ووزنه مع وجود " فاعِلُ " :
أَشْغَلُ مِنْ ذاتِ النَّحْيَيْنِ (34)
×>>|××| ×× | ××
فاعِلُ / فَعْلُنْ / فَعْلُنْ / فَعْلُنْ
وجاء برواية أخرى : " أَخْزى مِنْ ذاتِ النَّحْيَيْنِ " .
هنا المتدارك المعروف ، ثماني تفاعيل ، وَالأولى هنا " فاعِلُ " ولعل هناك من يحتج بأن الـمطلوب شطران ، ونقول إن المشطور موجود بكثـرة في الشواهد الشعرية، وهنا نحن نتقصى الوزن والإيقاع فقط .
كذلك فإن التضمين يحول المثل إلى شطر بيت كقول الشاعر :
نبيل محمد الأصباشي :
يَقولُ لَقَدْ سَبَى إِبِلي وَأَوْدى | بِها نَفَرٌ ، فَوَيٌّ ثُمَّ وَيُّ (35)
وهذا المثل :
اَلْخَيْلُ مَيامينُ
×× | >>×|××
فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فَعْلُنْ
أَدْنَى الْجَرْيِ الْخَبَبُ (36)
×× | ××| >>×
فَعْلُنْ / فَعْلُنْ / فَعِلُنْ
مجزوء المتدارك والإيقاع راقص .
أَشْغَلُ مِنْ مُرْضِعِ بَهْمٍ ثَمانينَ (37)
×>> |×× | >>×|×>×| ××
فاعِلُ / فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فاعِلُنْ / فَعْلُنْ
هنا خمس تفاعيل منها " فاعِلُ " بالاضافة أنه جمع أشكال " فاعِلُنْ " كلها .
أَشْهَرُ مِمَّنْ قادَ الْجَمَلَ (38)
×>>|××| ×× | >>×
فاعِلُ / فَعْلُنْ / فَعْلُنْ / فَعِلُنْ
يُلْجَمُ الْفَأْرُ فِي بَيْتِهِ (39)
×>×|×>×| ×>×
فاعِلُنْ / فاعِلُنْ / فاعِلُنْ
هنا مجزوء ولكن " فاعِلُنْ " الصحيحة .
غَلَبَتْ جِلَّتُها حَواشيها (40)
>>×|×>>|×>×| ××
فَعِلُنْ / فاعِلُ / فاعِلُنْ / فَعْلُنْ
هنا التام ، وجمع أشكال " فاعِلُنْ " ومنها " فاعِلُ " .
عَمُّ الْعاجِزِ خُرْجُهُ (41)
××| ×>>| ×>×
فَعْلُنْ / فاعِلُ / فاعِلُنْ
هنا مجزوء وفيه " فاعِلُ " ويمكن قراءته بتسكين الهاء من " خُرْجُهُ " وتكون التفعيلة " فَعْلُنْ " بدل " فاعِلُنْ " .
أَصْلَفُ مِنْ مِلْحٍ فِي ماءٍ (42)
×>>|××| ×× | ××
فاعِلُ / فَعْلُنْ / فَعْلُنْ / فَعْلُنْ
هنا تام وفيه " فاعِلُ " في البداية ، ومثله " أَطْوَلُ مِنْ طُنْبِ الْخَرْقاءِ " فهو من نفس الوزن.
عِشْ رَجَباً تَرَ عَجَبًا (43)
×>>|×>> |>>×
فاعِلُ / فاعِلُ / فَعِلُنْ
تكررت فاعِلُ مرتين ولا نشعر بثقل تجاور المتحركات الأربعة كما في بعض الاشعار الحديثة :
صَفْقَةٌ لَمْ يَشْهَدْها حاطِبُ (44)
×>×| ×× | ××| ×>×
فاعِلُنْ / فَعْلُنْ / فَعْلُنْ / فاعِلُنْ
هنا تام بدأ بـ فاعِلُنْ وانتهى بها .
أَسْرِعْ فِقْدانًا تُسْرِعْ وُجْدانًا (45)
×× | ×× | ×× | ×× |××
فَعْلُنْ / فَعْلُنْ / فَعْلُنْ / فَعْلُنْ / فَعْلُنْ
هنا خمس تفاعيل كلها " فَعْلُنْ " ، وبقراءة أخرى حسب المتدارك الحادي والعشرين عند الشيخ جلال الحنفي ذكر الوزن في عروضه ص 297:
(أَسْرِعْ فِقْدانًا | تُسْرِعْ وُجْدانًا
فَعْلُنْ مَفْعولُنْ | فَعْلُنْ مَفْعولُنْ ).
ضَحِّ رُوَيْدًا (46)
×>>|××
فاعِلُ / فَعْلُنْ
هنا تفعيلتان ، الأولى " فاعِلُ " وربما احتج البعض بأنـها " مُسْتَفْعِلاتُنْ " مطوية وهذا يعني وجود " مُسْتَفْعِلاتُنْ " كتفعيلة قائمة بنفسها منذ القدم ، وهذا المثل يحتمل تفسيرا آخر غير المتدارك .
لَوْ وَجَدْتُ إِلَى ذلِكَ فَا كَرِشٍ لَفَعَلْتُهُ (47)
×>×| >>×|×>>|×>> |×>>|×>×
فاعِلُنْ / فَعِلُنْ / فاعِلُ / فاعِلُ / فاعِلُ / فاعِلُنْ
هنا ست تفاعيل تساوي بيتا من المجزوء ، تكررت " فاعِلُ" فيه ثلاث مرات . فا = فم .
لَيْسَ الشَّحْمُ بِالَّلحْمِ وَلكِنْ بِقَواصيهِ (48)
×× |×>×|×>>| ××|>>×|××
فَعْلُنْ / فاعِلُنْ / فاعِلُ / فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فَعْلُنْ
وهنا أيضا ست تفاعيل بينها " فاعِلُ " .
لَيْسَتِ النَّائِحَةُ الثَّكْلى كَالْمُسْتَأْجَرَةِ (49)
×>× |×>>|×× | ×× |×× | >>×
فـاعِلُنْ / فاعِلُ / فَعْلُنْ / فَعْلُنْ / فَعْلُنْ / فَعِلُنْ
وهنا نفس الأمر ست تفاعيل بينها فاعِلُ .
كَلأٌ حابِسُ فيهِ كَمُرْسِلِ (50)
>>×|×>×|×>>|×>×
فَعِلُنْ / فاعِلُنْ / فاعِلُ / فاعِلُنْ
هنا شطر من أربع تفاعيل منها " فاعِلُ " .
اَللَّيْلَ وَأَهْضامَ الْوادي (51)
××| >>×|×× | ××
فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فَعْلُنْ / فَعْلُنْ
هنا أيضا أربع تفاعيل .
لَوْ تُرِكَ الضَّبُّ بِأَعْداءِ الْوادي (52)
×>>|××| >>×|××| ××
فاعِلُ / فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فَعْلُنْ / فَعْلُنْ
هنا خمس تفاعيل منها " فاعِلُ " والـموسيقى سلسة سائغة جدا ، وقارن بين سرعة الايقاع هنا وبطئه في المثل" كَلأٌ حابِسٌ فيهِ كَمُرْسِلِ " مع أن هذا أقصر .
لَحْظٌ أَصْدَقُ مِنْ لَفْظٍ (53)
××| ×>>| ×××
فَعْلُنْ / فاعِلُ / فَعْلاتُنْ
هنا مجزوء ومرفل على اعتبار الأصل " فاعِلُنْ " توسطته " فاعِلُ " .
لا تُمْسِكْ ما لا يُسْتَمْسَكُ (54)
××| ×× | ×× | ×>×
فَعْلُنْ / فَعْلُنْ / فَعْلُنْ / فَاعِلُنْ
هنا شطر تام من أربع تفاعيل " آخرها " فاعِلُنْ " ، ويمكن : " يستمسكْ " فَعْلُنْ .
لا أَمْرَ لِمَعْصِيٍّ (55)
××| >>×| ××
فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فَعْلُنْ
كَلَّمْناهُ فَصارَ نَديِمًا (56)
××| ×>>| ×>>| ××
فَعْلُنْ / فاعِلُ / فاعِلُ / فَعْلُنْ
هنا تام ، أربع تفاعيل منها " فاعِلُ " ، وهذا الوزن الذي ذكرته الأستاذة نازك :
كانَ الْمَغْرِبُ لَوْنَ ذَبيحِ | وَالأُفْقُ كَآبَةَ مَجْروحِ (57)
××| ×>>|×>> | ×× |×× |>>×| >>×|××
فَعْلُنْ / فاعِلُ / فاعِلُ / فَعْلُنْ | فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فَعِلُنْ / فَعْلُنْ
صدر البيت جاء مطابقا للمثل من حيث التقطيع والتفاعيل ، والمثل من أمثال المولدين على ما ذكر الميداني ، وذلك عصر ازدهرت فيه الموسيقى العربية وكثر التنويع خاصة في الموشحات ، والمثل كما سبق يصاغ وفق ايقاع وموسيقى معينة ، إذًا كانوا على دراية بايـقاعه وموسيقاه ، وما فيه من التفاعيل ، وربما بسبب غياب التسمية لم تشغل التفعيلة حيزا عندهم ، إذ أن كثيرا منهم رفض الـمتدارك من أصله ، ورافض الأصل يرفض الفرع بدءا .
والمثل هنا ربما كان شطر بيت ، وربما لا ، لكن تضمينه في الشعر سيقلبه إلى شعر ، وبهذا يظهر وجود الوزن و " فاعِلُ " منذ قرون كثيرة وليس في القرن العشرين .
كُنَّا فِي سَمَرٍ وَسُرورٍ | وَغِناءٍ كَمْ كانَ رَخيمَا
وَأَتانا ضَيْفٌ لِسُؤالٍ | " كَلَّمْناهُ فَصارَ نَديِمَا "
وهذا تقطيع البيتين بعد أن ضمنا المثل :
كُنَّا فِي سَمَرٍ وَسُرورٍ وَغِناءٍ كَمْ كانَ رَخيمَا
××|×>>| ×>>| ×× >>×|×× | ×>>| ××
فَعْلُنْ / فاعِلُ / فاعِلُ / فَعْلُنْ فَعِلُنْ / فَعْلُنْ / فاعِلُ / فَعْلُنْ
وَأَتانا ضَيْفٌ لِسُؤالٍ | كَلَّمْناهُ فَصارَ نَديمَا
>>×| ××| ×>>|×× | ××| ×>>| ×>>|××
فَعِلُنْ / فَعْلُنْ / فاعِلُ / فَعْلُنْ | فَعْلُنْ / فاعِلُ / فاعِلُ / فَعْلُنْ
هذا الأمر يثبت بما لا يدع مجالا للشك وجود التفعيلة " فاعِلُ " واستعمالها منذ الجاهلية ، لأنها بصورتها هذه موجودة في أمثال الجاهلية أيضا :
كَالْمَمْهورَةِ مِنْ مالِ أَبيها (58)
××| ×>>| ×× |>>××
فَعْلُنْ / فاعِلُ / فَعْلُنْ / فَعِلاتُنْ
ماتَ فُلانُ بِبِطْنَتِهِ لَمْ يَتَغَضْغَضْ مِنْها شَيْءٌ (59)
×>>|×>>|×>>|×× |>>× | ×× |×××
فاعِلُ / فاعِلُ /فاعِلُ / فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فَعْلُنْ / مَفْعولُنْ
هنا شطر من سبع تفاعيل .
لا يَسْتَمْتِعُ بِالْجَوْزَةِ إِلاَّ كاسِرُها (60)
××| ×>>| ××| >>×| ×× |>>×
فَعْلُنْ / فاعِلُ / فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فَعْلُنْ / فَعِلُنْ
هنا بيت من المجزوء ، ست تفاعيل.
لَوْلا الْخُبْزُ لَما عُبِدَ اللهْ (61)
×× |×>>|×>>|××<
فَعْلُنْ / فاعِلُ / فاعِلُ / فَعْلانْ
وهنا نفس وزن الأستاذة نازك ، بزيادة التذييل ، أو الترفيل ، على الشطر ، على اعتبار الأصل " فاعِلُنْ " .
مَنْ يَأْكُلُ خَضْمًا لا يَأْكُلُ قَضْمًا (62)
××|>>× | ×× |×>>| ××
فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فَعْلُنْ / فاعِلُ / فَعْلُنْ
هنا التزمنا الدقة في التشكيل ، رغم وجود أداة الشرط " مَنْ " وقد أشرنا إلى هذا الـمثل في مقدمة التكملة .
وورد المثل معكوسا بعد هذا الـمثل " مَنْ يَأْكُلُ قَضْمًا لا يَأْكُلُ خَضْمًا "، وبتسكين " يَأْكُلْ " سنحصل على " فَعْلُنْ "خمس مرات وأيضا نظل في المتدارك .
ما لِي ذَنْبٌ إِلاَّ ذَنْبُ صَخْرِ (63)
××| ×× |×× |×>××
فَعْلُنْ / فَعْلُنْ / فَعْلُنْ / فاعِلاتُنْ
لا عِتابَ عَلى الْجَنْدَلِ (64)
×>×|>>×| ×>×
فاعِلُنْ / فَعِلُنْ / فاعِلُنْ
ما بِها نافِخُ ضَرْمَةٍ (65)
×>×|×>>| ×>×
فاعِلُنْ / فاعِلُ / فاعِلُنْ
وبتسكين آخر " ضَرْمَهْ " نقف على " فَعْلُنْ " .
أَمْحَلُ مِنْ تَعْقادِ الرَّتَمِ (66)
×>>| ××| ×× |>>×
فاعِلُ / فَعْلُنْ / فَعْلُنْ / فَعِلُنْ
لا بِلادَ لِمَنْ لا تِلادَ لَهُ (67)
×>×|>>×|×>×|>>×
فاعِلُنْ / فَعِلُنْ / فاعِلُنْ / فَعِلُنْ
مِنْ مَأْمَنِهِ يُؤْتى الْحَذِرُ(68)
××|>>×|×× | >>×
فَعْلُنْ / فَعِلُنْ / فَعْلُنْ / فَعِلُنْ
نكتفي بهذه الأمثلة المحلولة الان ، ولنا عودة إليها ، والان لا بد من المقارنة بشيء من الخبب المعروف فلو أخذنا :
كُرَةٌ ضُرِبَتْ بِصَوالِجَةٍ | فَتَلَقَّفَها رَجُلٌ رَجُلُ
أو الشعر المنسوب للامام علي كرم الله وجهه ، مع اعتقادنا أنه منحول :
أو قول أبي العتاهية :
هَمُّ القاضي بَيْتٌ يُطْرِبْ | قالَ الْقاضي لَمَّا عوتِبْ
أو شعر الخليل :
هذا عَمْرٌو يَسْتَعْفي مِنْ | زَيْدٍ عِنْدَ الْفَضْلِ الْقاضي
وقد ورد أن الخليل أوصى بطرح هذا الشعر " أي نبذه " ، ونحن نشك أن الخليل أوصى بطرحه ، أو بطرح ونبذ المتدارك ؛ ففي كتاب العين ، الذي صاحبه الخليل نفسه ، نجد ما يلي من كلام الخليل : { والمخبون من أجزاء الشعر : ما قبض من حروف حشوه مما يجوز فـي الزحاف فيلزم قبضه كقولك في " فاعِلُنْ " " فَعِلُنْ " ، أو في النصف ، وذلك الشعر مخبون ، والجزء مخبون }(69) .
والمتدارك مبني على فاعِلُنْ فـي الأصل ، وذكر الخبن في فاعِلُنْ بالذات من قبل الخليل يشير إلى شيء مهم له علاقة بـما نحن بصدده وهو المتدارك ، ويؤيد ذلك ، الشعر الذي قاله الخليل على المتدارك :
سُئِلُوا فَأَبَوْا فَلَقَدْ بَخِلُوا | فَلَبِئْسَ لَعَمْرُكَ ما فَعَلُوا
أَبَكَيْتَ عَلَى طَلَلٍ طَرَبًا | فَشَجاكَ وَأَحْزَنَكَ الطَّلَلُ (70)
" أَبَكَيْتَ " في مصادر أخرى وردت " أَوَقَفْتَ " .
شعر الخليل هذا يؤيد ما ذهبنا إليه ، لأن جميع التفاعيل وردت مخبونة .
كثيرا ما ترد هذه الأبيات كشواهد على المتدارك عند هذا العروضي أو ذاك ، دون أدنى اعتراض على الـمعنى ، لأن المقصود في الشاهد ايقاع الوزن ليس إلا ، وأن هذا الشكل من الايقاع موجود ومستعمل ، وقد وقفت على شواهد على جـميع بحور الشعر ، في أمثال العرب ، وأحيانا كثيرة ، فإن المثل يكون شطر بيت من الشعر ، وحتى الأمثال التي لا توافق بحور الشعر ، فإن لها ايقاعا منسجما ومستساغا ، ونـجد السجع يدخل فيها ليضفي عليها مسحة من جمال الجرس الموسيقي واللغوي ، فكَأنها فصلت تفصيلا على مقاس معين وايقاع يطرب .
نقف الآن على بعض ما وافق بحور الشعر من الأمثال ، ونقول من البداية : إذا قبلنا ضم هذه الأمثال إلى الشعر ، وكثيرا ما ضمن الشعراء في شعرهم أمثالا ، بل إن أغلب الأمثال شعر ، ولا يغيب عنا القول : " قال بيتا فأرسله مثلا " أو " فأرسلها مثلا " أو " فذهبت مثلا " أو " فذهب قوله مثلا " ؛ نقول : إذا قبلنا هذا ، فلا مجال للاعتراض على أشكال المتدارك التي أوردناها من الأمثال ، لأنها موزونة عروضيا أولا ، ولأنها قابلة للتضمين ثانيا ، وقبولها التضمين واشتمالها على الوزن يعني انضواءها تحت راية الشعر ، وهناك أمثال وافقت البحور وأمثال ايقاعها غير موجود فـي الدوائر ، لكنها موزونة بوزن محدد ، بل هناك سجع موزون بوزن غير أوزان العروض ، وهناك من عد المثل داخلا في الشعر كالمرزوقي في شرحه لحماسة أبي تمام حيث يقول : { وقد قيل : " أقسام الشعر ثلاثة : مثل سائر ، وتشبيه نادر ، واستعارة قريبة " } (71).
وقبل هذا قال عن العرب : { إنهم كانوا يحاولون شرف المعنى وصحته ، وجزالة اللفظ واستقامته ، والاصابة في الوصف ، ومن اجتماع هذه الأسباب الثلاثة كثرت سوائر الأمثال ، وشوارد الأبيات ـ والمقاربة في التشبيه ، والتحام أجزاء النظم والتئامها على تخير من لذيذ الوزن ، ومناسبة المستعار منه للمستعار له ، ومشاكلة اللفظ للمعنى وشدة اقتضائهما للقافية حتى لا منافرة بينهما ـ فهذه سبعة أبواب هي عمود الشعر ، ولكل باب منها معيار }(72)
واضح هنا أن المرزوقي يعد المثل ضمن أقسام الشعر ، وفي الاقتباسين عنه ، وهذا يعني أن الأمثال قبل سيرها في الزمن قد خُصَّت بعناية فائقة ، وخضعت لعمليات كثيرة من التحسين والتجميل والتوقيع على وزن معين ، حتى وان لم يأت على الأوزان المعروفة ، وهذا ربما يشير إلى أن الأمثال التي خالف وزنها أوزان الشعر المعروفة لنا ، إنما هي أصول وزنية ما زالت موجودة ، ويؤيد هذا ، القول " ما وصلنا من شعر العرب إلا أقله " ومن ضمن ما تعنيه الجملة ، أنه توجد أوزان غير ما عرفنا حتى اليوم .
ــــــــــــــ
المصادر :
*( المادة مأخوذة من كتابنا العَروض الزاخر واحتمالات الدوائر )
1 ـ دلائل الاعجاز في علم المعاني . ص 29 - 30 . تصحيح الشيخ محمد عبده .
2 ـ ن . م . / هامش . ص 30 . القائل هو الشيخ محمد عبده .
3 ـ رسائل ابن حزم ، لابن حزم الأندلسي ، ج 3 . ص 163 .
4 ـ الجامع في العروض والقوافي . ص 95 .
5 ـ جمهرة الأمثال ، لابي هلال العسكري ، ص 18 - 19 .
6 ـ ن . م . ص 19 .
7 ـ مجمع الأمثال ، للميداني ، ج 1 . ص 35 .
8 ـ ن.م / ج 1 . ص 35 .
9 ـ الصاهل والشاحج . ص 527 . وهذا البيت للخليل حسب المصادر ، وذكره الزمخشري في / القسطاس في علم العروض .ص 129 /
وأشار المحقق أنه للخليل بن أحمد . وذكرته مصادر أخرى .
10 ـ مجمع الامثال ج 1 . ص 68 .
11 ـ جمهرة الأمثال / ج 1 . ص 31 .
12 ـ مجمع الأمثال / ج 1 . ص 235 .
13 ـ ن . م . / ج 1 . ص 196 .
14 ـ ن . م . / ج 1 . ص 218 .
15 ـ ن . م . / ج 1 . ص 218. وفي المستقصى في أمثال العرب / ج 2 . ص 53 ـ 54 { جَلَّتِ الْهاجِنُ عَنِ الْوَلَدِ .... / جَلَّتِ الْهاجِنُ عَنِ الرَّفْدِ ..... / ثم قال : ويروى : جَلَّ الرَّفْدُ عَنِ الْهاجِن ؛ يضرب في استبعاد الشيء } .
16 ـ الفن ومذاهبه في النثر العربي ، للدكتور شوقي ضيف ، ص 21 .
17 ـ مجمع الأمثال / ج 2 . ص 363 .
18 ـ قضايا الشعر المعاصر ، لنازك الملائكة ، ص 111 .
19 ـ ديوان نازك الملائكة / ج 2 . ص 240 .
20 ـ ابن الجوزي / المدهش . { هنا نـجد الشاعر قد استعمل { فاعِلُ } بشكل واضح ، وهذا يعني استعمالها منذ القدم في الشعر ، وليست تفعيلة حديثة كما قد يتصور البعض ، وقد يحتج البعض على التقطيع ، فنقول : إن النص لعالم جليل عرف اللغة جيدا ، فلو قرأنا { عَنْ قَبْرِكَ لا تَسْمَعْ كَذِبَا } بتسكين عين ( تَسْمَعُ ) ، فسينقلب الفعل إلى فعل أمر ، وتكون " لا " عندها الناهية ، وليست النافية ، مع أنها النافية ، والفعل بعدها لا يجزم .
21 ـ قصيدة النيل / 1888 – 1898 الموسوعة الشوقية / ج 3 .ص 440 .
22 ـ نشيد الكشافة / سنة 1912 / الموسوعة الشوقية / ج 3 .ص 135 .
23 ـ مضناك / سنة 1910 / الموسوعة الشوقية / ج 3 .ص 72 .
24 ـ قال منشدا ـ بدون تاريخ / الموسوعة الشوقية /ج 5 .ص 394 .
25 ـ ديوان الخليل / ج 3 .ص 395 / لم أتقصه حتى النهاية .
26 ـ قصيدة الأشباح الثلاثة / الديوان .ص 486 – 472 .
27 ـ نفس القصيدة الديوان . ص 469 .
28 ـ مجمع الأمثال / ج 1 . ص 34 .
29 ـ الفن ومذاهبه في النثر العربي . ص 24 .
30 ـ الفن ومذاهبه في النثر العرب . ص 26 .
31 ـ ن.م . نفس الصفحة.
32 ـ مجمع الأمثال / ج 1 . ص 129 وسنكتب "مج " اختصارا .
33 ـ مج / ج 1 .ص 329 .
34 ـ لحن الجراح .ص 95 . استعمل تضمين لمثل عربي جاهلي ، وأصله أن رجلا أغير على إبله فأخذت ، فلما توارى المغيرون بـها
صعد إلـى أكمة وجعل يسبهم ، ثم رجع إلى قومه فسألوه عن إبله ، فقال : " أَوْسَعْتُهُمْ سَبًّا وَأَوْدُوا بِالإِبِل " .
35 ـ مج / ج 1 .ص 317 .
36 ـ مج / ج 1 .ص 343 .
37 ـ مج / ج 1 .ص 410 .
38 ـ مج / ج 1 .ص 490 .
39 ـ مج / ج1 .ص 509 .
40 ـ مج / ج 2 .ص 67 .
41 ـ مج / ج 2 .ص 33 .
42 ـ مج / ج1 .ص 520 .
43 ـ مج / ج2 .ص 20 .
44 ـ مج / ج1 .ص 495.
45 ـ مج / ج1 .ص 435 .
46 ـ مج / ج1 .ص 524 .
47 ـ مج / ج2 .ص 211 .
48 ـ مج / ج1 .ص 227 .
49 ـ مج / ج2 .ص 238 .
50 ـ مج / ج2 .ص 194 .
51 ـ مج / ج2 .ص 217 .
52 ـ مج / ج2 .ص 230 .
53 ـ مج / ج2 .ص 249 .
54 ـ مج / ج2 .ص 255 .
55 ـ مج / ج2 .ص 255 .
56 ـ مج / ج2 .ص 205 .
57 ـ الديوان / ج 2 . ص 240 .
58 ـ مج / ج 2 .ص 197 .
59 ـ مج / ج 2 .ص 315 .
60 ـ مج / ج 2 .ص 306 .
61 ـ مج / ج 2 .ص 304 .
62 ـ مج / ج 2 . ص 363 .
63 ـ مج / ج 2 . ص 311 .
64 ـ مج / ج 2 .ص 268 .
65 ـ مج / ج 2 .ص 329 .
66 ـ مج / ج 2 .ص 384 .
67 ـ مج / ج 2 .ص 286 .
68 ـ مج / ج2 .ص 367 .
69 ـ كتاب العين / ج 4 .ص 279 .
70 ـ شعراء مقلون .ص 353 .
71 ـ شرح ديوان الحماسة للمرزوقي / ج 1 . ص 10 .
72 ـ ن . م . ص 9 .

محمود مرعي
Admin

عدد المساهمات : 27
تاريخ التسجيل : 25/01/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى