منتدى الحميم الثقافي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

خطوات عملية لتجديد النحو ـ بقلم : د. فهد أبو خضرة

اذهب الى الأسفل

خطوات عملية لتجديد النحو ـ بقلم : د. فهد أبو خضرة Empty خطوات عملية لتجديد النحو ـ بقلم : د. فهد أبو خضرة

مُساهمة  المدير العام الأربعاء يناير 27, 2010 12:51 am

تلخيص:
هناك مشكلة حقيقية في مسألة إتقان القواعد العربية، وهي مشكلة خطيرة واسعة الانتشار، ولا شك أن معالجتها ضرورة قومية ودينية وثقافية، خاصة وأن إتقان القواعد يؤثر تأثيرًا مباشرًا على إتقان اللغة.
تنبه الباحثون العرب إلى وجود هذه المشكلة من ما يقرب من تسعين عامًا، وحاولوا معالجتها. وقد ظهرت محاولات عملية ونظرية عديدة، إلا أن المشكلة رغم هذا ما زالت قائمة. ونحن مطالبون بالتصدي لها والقيام بخطوات إضافية.
على هذه الخطوات اليوم أن تتجه، كما اتجهت المحاولات السابقة، اتجاهين متوازيين: اتجاهًا نظريًا واتجاهًا عمليًا.
تقول المصادر إن عدد الذين يتكلمون العربية اليوم يزيد عن ثلاث مئة وثلاثين مليون إنسان. ولكن هذه المصادر لا تقول لنا شيئًا عن عدد الأشخاص الذين يتقنون قواعد هذه اللغة من بين أولئك المتكلمين، اتقانًا تامًا أو يجيدونها إلى حد يمكن أن نعتبره مقبولاً.
وحين نسأل عن نسبة هؤلاء المتقنين، فإن الجواب المتّفق عليه، بإحصاء أو بدون إحصاء هو أنها لا تصل إلى 1%.
هذا يعني أن هناك مشكلة حقيقية في مسألة إتقان القواعد. ولا خلاف بين أصحاب الشأن – من اللغويين والباحثين ومن إليهم – في أنها مشكلة خطيرة، واسعة الانتشار، وفي أن معالجتها ضرورة قومية ودينية وثقافية من الدرجة الأولى.
ومن المؤكد أن إتقان القواعد يؤثر تأثيرًا مباشرًا على إتقان اللغة، فهمًا وإفهامًا، ذلك لأن العلاقة بينهما علاقة وثيقة جدًا، هي علاقة الوسيلة بالغاية.
هذه المشكلة الحقيقية ليست حديثة العهد. فقد كانت موجودة ومستمرة منذ مئات السنين.
في العصور الماضية لم تقم أية محاولة لمعالجة هذه المشكلة، وربما لم ينتبه أولو الأمر آنذاك إلى وجود مشكلة في هذا المجال. ولا يمكن اعتبار كتاب ابن مضاء القرطبي "الرد على النحاة" محاولة في هذا الاتجاه. فما هو إلا جدل بين متخصصين وعرض لوجهات نظر مخالفة للمألوف. إلا أننا نستطيع أن نستفيد من بعض الآراء الواردة فيه. ويصدق هذا القول على كل كتاب من تلك الكتب القليلة التي نحت نحو كتاب ابن مضاء.
أما في العصر الحاضر فقد تنبّه الباحثون ورجال اللغة والقواعد إلى وجود هذه المشكلة، وأوْلوا معالجتها والتغلب عليها أهمية كبيرة، فظهرت محاولات عملية ونظرية عديدة لهذه الغاية. ويكفي أن نشير إلى ما قام به حفني ناصف ثم علي الجارم ومصطفى أمين، منذ ما يقرب من تسعين عامًا، وما قام به بعد ذلك كل من: أنيس فريحة، مهدي المخزومي، إبراهيم مصطفى، عبد الفتاح شلبي، تمّام حسّان، شوقي ضيف، أحمد درويش والقائمة طويلة.
إلا أن المشكلة بعد هذا كله ما زالت قائمة. ونحن اليوم مطالبون بالتصدّي لها والقيام بخطوات إضافية، تستفيد من المحاولات السابقة وتقوم على تصوّر عمليّ شامل.
إن اكتساب اللغة الفصيحة بالتقليد المبنيّ على السماع، كما يحدث في اللغة المحكية، أسلوب مثالي رائع. ولكن شروط توفّره تكاد تكون معدومة. والمحاولات التي قامت هنا وهناك في هذا المجال لم تؤدّ إلى النتائج المتوقعة إلا في حالات نادرة. وحتى هذه الحالات لم تستمر إلا لفترات قصيرة جدًا.
أما التقليد المبني على القراءة، فلم يجرَّب بعد، ولا أظن أنه يمكن أن يغني عن التعلم المنهجي. بناء على هذا فإن الطريقة العملية لاكتساب اللغة الفصيحة هي بالتعلم المنهجي، أي بالطريقة المألوفة والمتّبعة، مع تطوير هذه الطريقة بما يلائم حاجات المتعلم في القرن الحادي والعشرين، ومع دعم هذا التعلم بتوفير بعض شروط التقليد المبني على السماع، والمبني على القراءة: الأوّل في مجالات أو أطر معينة، خاصة في غرفة التعليم، والثاني عن طريق الإكثار من المطالعة الموجهة لنصوص مناسبة.
واكتساب هذه اللغة الفصيحة بالصورة السليمة لا يمكن أن يتم إلا بتعلم قواعد الصرف والنحو. وليست العربية بدعًا في هذا الأمر، إذ لا توجد في العالم أي لغة بلا قواعد.
ومنذ البداية يجب أن نقرر ما إذا كنا نريد نحوًا وظيفيًا يهتم بالمعنى ويحلّل العلاقات بين الكلمات في الجمل، ويحدد وظائفها قبل التعامل مع حالات الإعراب وعلاماتها، أم نريد نحوًا شكليًا، يتّجه قبل كل شيء إلى شكل أواخر الكلمات، ومن ثم إلى علامات الإعراب وحالاته، فإلى العلاقات بين الكلمات في الجمل لينظر بعد ذلك إلى المعنى.
أما أنا فأعتقد أن اختيار النحو الوظيفي هو الأفضل. ولكن الموضوع كله قابل للنقاش، ومن المفروض أن يخضع للتجريب في أماكن مختلفة، قبل الوصول إلى استنتاجات وقرارات.
وسواء وقع الاختيار على النحو الوظيفي أو النحو الشكلي فإن الخطوات الإصلاحية عديدة جدًا، ويجب أن تجنّد لها كل العقول المتخصصة المخلصة وكل الظروف الداعمة.
على هذه الخطوات اليوم أن تتّجه، كما اتجهت المحاولات السابقة، اتجاهين متوازيين: اتجاهًا نظريًا واتجاهًا عمليًا.
أما الأوّل فيتناول نظرية النحو العربي برؤية جديدة شاملة، تسعى إلى تغييرات جذرية بعيدة المدى، وأما الثاني فيتناول بصورة عملية عددًا من النقاط المحددة التي لا بد من إدخال تغيير سريع عليها، من أجل تيسير النحو وإزالة ما فيه من تعقيد مصطنع لا أهمية له، شرط أن يكون هذا التغيير مبنيًا على أسس سليمة.
في هذا المقترح سأتناول سبع نقاط محددة أعتقد أن إدخال تغيير سريع عليها أمر ضروري.
هذه النقاط هي:
1- تسكين اسم العلم المفرد.
2- الابتعاد عن إعراب صيغتي التعجب.
3- ترك الإمكانيات الإعرابية التي لا ضرورة لها.
4- اعتبار "أيها" حرف نداء.
5- إجازة الوقف على المنصوب المنوّن بالسكون.
6- إجازة صرف الممنوع من الصرف في النثر.
7- إخضاع صيغتي المؤنث فعول وفعيل للقياس العام.
وفيما يلي تفصيل لهذه النقاط:
1- تسكين اسم العلم المفرد.
أقرّ مجمع اللغة العربية في القاهرة تسكين أواخر الأعلام المتتابعة دون فاصل، نحو: جبران خليل جبران، نجيب محفوظ، وذلك سنة 1978، ودعا إلى إعراب هذه الأعلام محلاً[1].
أما اسم العلم المفرد، سواء كان مستقلاً أو متبوعًا بكلمة "ابن" فان تسكين آخره، إن كان معربًا، لم يقر حتى الآن. ولذا فهو ما زال يعرب إعرابا عاديًا، كالأسماء الأخرى.
ورأيي أن التسكين في هذه الحالة أيضًا أفضل من الإعراب العادي لأنه يحافظ على الصورة الأصلية للاسم ولا يغيرها بحسب الموقع الإعرابي. وهذا ما يحدث في اللغات الحية التي نعرفها. ولعله هو ما يحدث في كل اللغات التي لا نعرفها أيضا، لأنه الأمر الطبيعي.
وإذا كان هناك من يبحث عن مسوّغ لهذا التسكين فنحن نؤكد له أنه موجود؛ ذلك هو الإعراب على "الحكاية" أي على حكاية الأصل. وهذا الإعراب مقبول في قواعد النحو، ومستعمل في اللغة الفصحى على أعلى المستويات. ونحن نقول اليوم، كما كان أسلافنا يقولون، قرأت سورة "المؤمنون". ولا نقول أبدًا سورة المؤمنين.
أما إذا التقى العلم الساكن بساكن بعده فالأفضل أن يكسر منعًا لالتقاء الساكنين. ولكن إذا واجه هذا الكسر معارضة شديدة من المحافظين فإنني لا أمانع أن يحرك بحركة موقعه الإعرابي في الكلام، دون تنوين.
لا تعتبر هذه الخطوة العملية ثورة كبرى، ولكنها تحتاج إلى قليل من الجرأة في الاستعمال، لتصبح أمرًا واقعًا، وتحتاج إلى كثير من الجرأة بعد ذلك لإقرارها كقاعدة نحوية جديدة ملزمة، أو كجواز على أقل تقدير. وقد رأيت في النصوص المعاصرة كثيرًا جدًا من أسماء العلم التي سكنت في الاستعمال، منها ما وضع بين مزدوجين ومنها ما لم يوضع.
2- صيغتا التعجب: ما أفعله وأفعل به.
اختلف النحويون اختلافًا كبيرًا حول إعراب هاتين الصيغتين، وقد أورد الدكتور شوقي ضيف في كتابه "تيسيرات لغوية"[2] أشهر الآراء التي قيلت في الماضي وأضاف إليها رأيه الخاص.
أما ما قيل في الماضي حول الصيغة الأولى فأبرزه رأي البصريين، وهو ما تأخذ به كتب النحو المدرسية اليوم في العالم العربي كله. فإذا قلنا "ما أجملَ الروضَ" فإن "ما" هنا نكرة تامة بمعنى شيء، وهي مبتدأ مبني على السكون في محل رفع؛ "أجملَ" فعل ماضٍ مبني على الفتح الظاهر، وفاعله ضمير مستتر يعود على ما؛ "الروضَ" مفعول به منصوب، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ.
إن تحليل الجملة بهذه الطريقة يجعلها جملة خبرية. والتعجب، في الاعتبار والمنطق، تابع للإنشاء لا للخبر. وقد انتبه شوقي ضيف لهذا الأمر في كتابه المذكور.
وكان من الذين اعترضوا على رأي البصريين: الأخفش الأوسط والكسائي، قال الأخفش إن "ما" هنا ليست تامة، وإنما هي نكرة موصوفة أو اسم موصول، وفي الحالتين تعرب مبتدأ؛ ويكون خبرها محذوفًا، بينما قال الكسائي: إن "ما" هنا حرف يدل على التعجب، ورفض أن يكون لها محل من الإعراب، وأضاف: إن "أجمل" فعل ماض ٍ وإن "الروض" مفعول به، ولكنه لم يشر إلى فاعل الفعل.
وقد أخذ شوقي ضيف برأي الكسائي هذا، معتبرًا الفعل لا فاعل له. وقد اعتمد في هذا على ابن مضاء القرطبي الذي قال بأن الفعل يمكن أن يستغني عن الفاعل.
ورأي البصريين في الصيغة الثانية يعتبر الأبرز أيضًا، وهو ما تأخذ به كتب النحو المدرسية اليوم. فإذا قلنا "أجمِلْ بالروضِ" فإن "أجمِلْ" بحسب هذا الرأي فعل ماضٍ جاء على صورة الأمر، والباء حرف جر زائد، "والروض" اسم مجرور لفظًا مرفوع محلاً باعتباره فاعلاً للفعل الماضي. وفي هذا تكلف واضح جدًا، لا يقبله أي منطق سليم.
وكان من الذين اعترضوا على هذا الرأي: الفراء والزمخشري وابن كيسان. قال الفراء، وتبعه في ذلك الزمخشري: إن "أجمِلْ" هنا فعل أمر حقيقي، والباء زائدة داخلة على المفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره "أنت" يعود على المخاطب في السياق الواقعي، لا في الكلام نفسه، وهو يلزم الإفراد دائمًا، أما "الروض" فهو مجرور لفظًا منصوب محلاً باعتباره مفعولاً به.
وقال ابن كيسان إن الضمير المستتر يعود على المصدر الذي يدل عليه الفعل.
وخرج شوقي ضيف على الآراء السابقة كلها قائلاً إن "أجمِلْ" فعل تعجب لا فاعل له، ولا يهمه أهو ماض ٍ أم أمر، والباء حرف جر زائد أو غير زائد. "والروض" مجرور لفظًا منصوب محلاً باعتباره مفعولاً به أو مجرور لفظًا ومحلاً، والجار والمجرور متعلقان بالفعل.
وهنا لا بد أن نسأل: ماذا يستفيد أي مستعمل للغة من هذا الإعراب؟ وما الذي يخسره لو أهمله؟ وما الذي يتغير في وظيفة هذه الصيغة أو تلك إذا ترك إعرابها كليًا؟
والجواب الذي نؤمن به هو أن مستعمل اللغة لا يستفيد شيئًا من هذا الإعراب، ولا يخسر شيئًا إذا أهمله، وإن وظيفة الصيغتين لا تتغير أبدًا.
وبناء عليه، فالخطوة العملية التي ندعو إليها هي ترك الإعراب في الصيغتين للمتخصصين وحدهم، والاكتفاء في كل المجالات الأخرى بالقول إن صيغتي التعجب القياسيتين هما: ما أفعَلَهُ وأفعِلْ بهِ.
ويبقى المعنى بعد هذا على حاله، وكذلك الشكل. وإذا كان الأمر كذلك فلِمَ نثقل على طلابنا ومعلمينا بصورة خاصة؟ ولم نثقل على أنفسنا بصورة عامة؟
3- ترك الإمكانيات الإعرابية التي لا ضرورة لها.
في كتب النحو القديمة والحديثة إمكانيات إعرابية متعددة للكلمة المفردة في السياق نفسه. بعض هذه الإمكانيات لا يغير شيئًا، لا في المعنى ولا في الشكل. واقتراحي أن تقرّ إمكانية واحدة ويترك ما عداها للمختصين ولكتب النحو التي تهمهم.
من الأمثلة على ذلك إعراب "من" و"ما" الاستفهاميتين، حين يستفهم بهما عن معرفة، نحو: من القادم؟ ما الأمر؟ فالاسم "من" يمكن أن يعرب مبتدأً ويمكن أن يعرب خبرًا مقدمًا، ويرجّح عندهم اعتباره مبتدأ. والرأي أن يعرب مبتدأً وتترك الإمكانية الثانية. والاسم "ما" يمكن أن يعرب مبتدأً ويمكن أن يعرب خبرًا مقدمًا. ويرجح عندهم اعتباره خبرًا مقدمًا. والرأي أن يعرب مبتدأ وتترك الإمكانية الثانية.
ومن الأمثلة على ذلك مخصوص المدح أو الذم حين يتأخر عن الفعل والفاعل. فهو يمكن أن يعرب مبتدأ مؤخرًا، ويمكن أن يعرب خبرًا لمبتدأ محذوف وجوبًا أو مبتدأ لخبر محذوف وجوبًا، أو بدلاً من الفاعل. وأنا أعتقد أن اعتباره بدلا من الفاعل إمكانية منطقية جدًا. وهي الإمكانية المفضلة في رأيي.
ولا تضيف الإمكانيات الثلاث الأخرى أي شيء إلى المعنى ولا تغيّر شيئـًا في الشكل. وما إيرادها في كتب التعليم إلا زيادة في التعقيد الذي يؤدي إلى تنفير طلابنا من النحو.
4- اعتبار "أيها" حرف نداء.
تعرب "أيها" في كتب النحو إعرابًا مثيرًا للتساؤل والاستغراب، إذ يقال: إن "أي" منادى مبنيّ على الضم في محل نصب، وهي نكرة مقصودة، والهاء للتنبيه. ويعرب المنادى الحقيقي بعدها عطف بيان أو بدلاً منها إن كان جامدًا ونعتًا إن كان مشتقًا.
فإذا اتصل بها اسم إشارة، نحو: "أيهذا"، أعرب اسم الإشارة نعتًا لأي، وأعرب المنادى الحقيقي بعده عطف بيان أو بدلاً أو نعتًا له (لاسم الإشارة).
ونحن نسأل: لماذا لا تعتبر "أيها" حرف نداء، ويعتبر ما بعدها منادى؟ خاصة وأنها تأتي غير مسبوقة بأداة النداء "يا" في حالات كثيرة جدًا.
فإذا جاءت مسبوقة بـ"يا" اعتبرت كلتاهما حرف نداء أيضًا أو حرف نداء مركبًا. ونحن لا نعدم أمثلة لهذا التركيب في باب النداء، وإن لم يسمَّ تركيبًا، فكتب النحو تعتبر الهمزة "أ" حرف نداء، وتعتبر "يا" حرف نداء أيضًا، كما تعتبر "أيا" حرف نداء كذلك، ولا تقول انه حرف نداء مركب، مع أنه في الحقيقة مركب من الحرفين المذكورين. وذكر التركيب في الحالتين، بحسب رأيي، مقبول جدًا.
ولا شك أن في ما اقترحته تسهيلاً كبيرًا، دون أن يكون فيه إخلال بالمنطق أو باللغة.
5- إجازة الوقف على المنصوب المنوّن بالسكون:
توجب القواعد الرسمية المتعارف عليها والمأخوذ بها حتى اليوم الوقف على الاسم المنصوب المنوّن بالألف؛ إذ نقول: قرأت كتابًا. ولا تجيز هذه القواعد الوقف على هذا الاسم بالسكون، أي: قرأت كتاب، مع أن الوقف على الاسم المرفوع المنوّن والمجرور المنون بالسكون هو القاعدة المتعارف عليها والمأخوذ بها. وقد أشار النحويون القدماء إلى أن الوقف على الاسم المنصوب المنوّن كان يقع عند ربيعة، دون غيرها، بالسكون لا بالألف. وأورد بعضهم البيت التالي مثالاً على ذلك:
ألا حبذا غُنْم وحسن حديثها لقد تركت قلبي بها هائمًا دنِفْ[3]
ومن المتفق عليه عند الباحثين اليوم أن ما كان مستعملا عند العرب القدماء، بصورة عامة أو خاصة، جاز استعماله واعتبر لغة سليمة. وقد ظل الوقف بالألف على الاسم المنصوب المنون متبعًا في الشعر العربي كله ما عدا شعر ربيعة، حتى أواسط العصر العباسي حيث بدأ الشعراء يخرجون على القاعدة العامة ويجيزون لأنفسهم الوقف بالسكون. بعد تلك الفترة وعبر عصور طويلة تمتد حتى اليوم، أصبح الوقف بالسكون يظهر عند عدد كبير من الشعراء بما فيهم شعراء الدرجة الأولى، وقد أصبح اليوم ظاهرة واسعة الانتشار عند معظم الشعراء، ونادرًا ما نجد شاعرًا ممن يكتبون الشعر الموزون، لا يقف بالسكون. والأمثلة على هذا قديمًا وحديثًا، تعد بالآلاف.
من الأمثلة القديمة على الوقف بالسكون قول المتنبي:
ليس كما ظن غشية عرضت فجئتني من خلالها قاصدْ
لا أجحد الفضل ربما فعلت ما لم يكن فاعلاً ولا واعـدْ
أبلـج لو عـاذت الحمـام به ما خشيت راميًا ولا صائدْ
وَلِيـت يومـي فـنـاء عسكره ولـم تكـن دانيـًا ولا شاهدْ
ومن الأمثلة الحديثة عليه قول حنا أبو حنا:
غابة من حديد وأفعى تسخّن في الشمس سمّا ونابْ
وقوله:
يظل على شفرة الناي
خلاً ووردْ
وقول محمود درويش:
لتمسحي الجبين والعينين
وتحملي من دمعنا تذكارْ
وقوله:
اقبض على عنق السنابل
مثلما عانقت خنجرْ
إن هذه الأمثلة التي تعد بالآلاف لا يمكن أن تعتبر كلها مغلوطة، ولا يمكن أن يقال إن أصحابها كلهم مخطئون.
ونحن في هذه الخطوة العملية التي نتحدث عنها لا ندعو إلى إلغاء القاعدة العامة، وإنما ندعو إلى اعتبار الوقف بالسكون جوازًا فقط، واستعماله كإمكانية صحيحة ومقبولة إلى جانب الوقوف بالألف.
ولا بأس أن نذكّر هنا بما يقوله الباحثون اليوم من أن اللغة – أي لغة – عرضة للتطور المطّرد في مختلف عناصرها: أصواتها وصرفها ونحوها ومعجمها؛ وليس في قدرة الأفراد أن يوقفوا تطور أي لغة أو يجعلوها تجمد على وضع خاص[4].
6- إجازة صرف الممنوع من الصرف:
أجاز الشعراء لأنفسهم منذ أقدم العصور أن يصرفوا الممنوع من الصرف في أشعارهم. وقد ظهر ذلك عندهم في آلاف المواضع. وما زال هذا الأمر مستمرًا حتى اليوم.
ولم يشر أحد من النحويين أو اللغويين، قديمًا أو حديثًا، إلى أي تأثير سلبي لهذا الصرف على الفهم والإفهام أو على الناحية الجمالية للغة.
وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا تتوسع الدائرة، ويجاز أن يصرف الممنوع من الصرف في النثر أيضًا؟ والسبب الأول الذي يدعونا إلى هذا الاقتراح هو الصعوبات التي يجدها غير المتخصصين – وربما بعض المتخصصين أيضًا – في إتقان القواعد الخاصة بهذا الموضوع، لما في تلك القواعد من تشعب ومن خلافات في الرأي، ولما يحتاج إليه إتقانها من جهد دائم ومن مراجعات مستمرة. ولننظر على سبيل المثال إلى كتاب "النحو الوافي" للأستاذ عباس حسن، حيث احتلت مادة هذا الموضوع 76 صفحة[5].
والسبب الثاني هو أن هناك ثغرات عديدة "في تعليل القدماء" لمنع الاسم من الصرف؛ لاحظها الباحثون المعاصرون ودعوا إلى إهمالها:
من ذلك ما ذكره عباس حسن حيث قال: "ويقولون [النحاة القدماء] في تعليل منع الاسم من الصرف كلامًا لا تطمئن إليه النفس ولا يرتاح إليه العقل، نلخصه للمتخصصين لإبانة ضعفه وتفاهته، مع دعوتنا إلى نبذه وإهماله إهمالاً تامًا"[6].
وقد لخّص ذلك الكلام ثم قال:
"وقولهم: بادي التكلف والصنعة، لا يقوى على الفحص وقد آن الأوان لإهماله نهائيًا، لأنه لا يثبت أمام الاعتراضات التي تتجه إليه من بعض النحاة القدامى والمحدثين"[7].
ونحن نضيف إلى ذلك كله أن ما قاله هؤلاء النحاة من أن الاسم المعرب المنوّن أشدّ تمكّنًا في الاسمية من سواه، يحتاج اليوم إلى مراجعة جادة وشاملة، فمن يقبل اليوم الادعاء بأن اسم العلم المذكر أشد تمكّنًا في الاسمية من اسم العلم المؤنث؟ ومن يقبل أن كلمة أجزاء أشد تمكّنًا في الاسمية من كلمة أصدقاء أو شعراء أو علماء؟ وأن اسم العلم "زيد" أشد تمكّنًا من عمر وعثمان ويزيد؟
والسبب الثالث أن هناك حالات عديدة يجوز فيها الوجهان: الصرف والمنع، في الشعر والنثر على حد سواء، منها:
أ‌- العلم المؤنث المنقول من جمع المؤنث السالم. نحو:
عطيّات وزينات. فإن هذا العلم يجوز صرفه مراعاة لأصله الذي نقل عنه (وإن كان تنوينه عندهم للمقابلة لا للأمكنية)، ويجوز منعه من الصرف مراعاة للحالة الراهنة وهي أنه علم مؤنث[8].
ب‌- العلم المؤنث حين يكون ساكن الوسط غير أعجمي وغير منقول من مذكر؛ نحو: هند، ميّ.
ت‌- أسماء القبائل. فهي تمنع من الصرف إذا أوّلت بمؤنث، وتصرف فيما عدا ذلك[9].
ث‌- اسم العلم موسى واسم الذات موسى: فهناك من يصرفهما، وهناك من يمنعهما من الصرف[10].
ج‌- العلم المركب تركيبًا مزجيًا: فهناك من يبقي جزءه الأول على حاله ويعرب آخر الجزء الثاني وحده، وهناك من يجعل الجزء الأول مضافًا تجري عليه حركات الإعراب، والثاني مضافًا إليه إضافة لفظية، يصرف إذا استحق الصرف، ويمنع إذا استحق المنع[11].
والسبب الرابع أن هناك كلمات لها مدلولان، تصرف بحسب أحدهما، وتمنع من الصرف بحسب الآخر؛ منها بعض أسماء العلم التي تنتهي بألف ونون، نحو: حسان، غسان؛ فالأول إن كان مشتقًا من حسن صرف وإن كان مشتقًا من حسّ منع، والثاني إن كان مشتقًا من غسن صرف، وإن كان مشتقًا من غسّ منع. ومنها كلمة "أخر" فإن كانت جمعًا لأخرى التي مذكرها "آخِر" بكسر الخاء صرفت، وإن كانت جمعًا لآخَر بفتح الخاء منعت من الصرف.
والسبب الخامس أن هناك حالات عديدة في كتب التراث جاز فيها صرف الممنوع من الصرف في النثر لأسباب لفظية؛ من أهمها: الكلمات المتجاورة أو الواقعة في آخر الجمل المسجوعة، وذلك مراعاة للتناسب[12].
وهناك أسباب أخرى يطول شرحها.
7- إخضاع صيغتي فعول وفعيل للقياس العام:
جاء في كتب القواعد العربية أن "فعول" التي بمعنى الفاعل وفعيل التي بمعنى المفعول لا تلحقهما تاء التأنيث إذا ذكر معهما الموصوف (أو ما يجري مجراه، كالخبر والحال وما إليهما)، فيستوي فيهما المذكر والمؤنث، حيث قال على وزن فعول: رجلٌ صفوح، وامرأة صفوح، ويقال على وزن فعيل: رجلٌ جريح وامرأة جريح. فإذا لم يذكر الموصوف (أو ما يجري مجراه) لزمت التاء مع المؤنث. حيث يجب أن يقال رأيت جريحًا، إذا أردت رجلاً ورأيت جريحة، إذا أردت امرأة.
أما إذا كانت "فعول" بمعنى المفعول، وكانت "فعيل" بمعنى الفاعل، لحقتها التاء في كل الحالات، حيث يقال: هذا رجل ٌ جميل وتلك امرأة جميلة، ومدحتُ الكريم والكريمة.
ونحن نسأل: ما الذي تكسبه اللغة باستعمال هذا التعقيد؟ وما الذي تخسره إذا استغنت عنه؟
والجواب: لا تكسب اللغة باستعماله شيئًا، ولا تخسر بالاستغناء عنه شيئًا.
وإذا كان الأمر كذلك فما الداعي له؟ ولماذا لا يجاز تخطّيه فيقال بكل بساطة إن التاء يمكن أن تلحق المؤنث في صيغتي فعول وفعيل في كل الحالات، مع الإشارة إلى صحة ما ورد من استعمال للصيغتين في التراث وإلى جواز الاستمرار في ذلك الاستعمال لمن أراد.
وأخيرًا:
فإن هذه النقاط السبع التي تناولتها، لا تمثّل إلا نماذج قليلة للخطوات العملية التي يجب أن تتخذ لتطوير اللغة وتيسير قواعدها على أبنائها وتقريبها منهم.
ولا بأس في الختام أن أورد اقتباسًا قصيرًا من رسالة وجهها الأستاذ إبراهيم مدكور، رئيس مجمع اللغة العربية في القاهرة، إلى الباحث الدكتور رمضان عبد التواب جاء فيها "وقد آن الأوان فعلاً لأن نؤمن بالتطور اللغوي، وكثيرًا ما ترددنا في التسليم به، وأضفينا على العربية جمودًا وقداسة لا تتلاءم مع سنة الحياة. وما قامت المجامع اللغوية كلها إلا على أساسين هامين أولهما أن اللغة ظاهرة اجتماعية تسير بسير المجتمع وتقف بوقوفه، وثانيهما أن اللغة ملك من يتخاطبون بها، فإن أريد بها أن تملكهم هي وتستعبدهم فقدت وظيفتها.
والتطور أمارة حركة وحياة، وسبيل تحسين وتجويد، يقدّر الماضي، ويواجه الحاضر، ويعد للمستقبل"[13].
ببليوغرافيا
ضيف، شوقي. تيسيرات لغوية. القاهرة: دار المعارف، 1990.
الأنصاري، ابن هشام. شرح قطر الندى وبل الصدى. تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد. د.م: د.ن، د.ت.
عبد التواب، رمضان. التطور اللغوي. ط3. القاهرة: مكتبة الخانجي، 1997.
حسن عباس. النحو الوافي. ط3. ج4. مصر: دار المعارف، 1974.
الشرنوتي، رشيد. مبادئ العربية 4. ط8. بيروت: المطبعة الكاثوليكية، د.ت.
---------
[1] انظر ضيف، شوقي. تيسيرات لغوية. القاهرة: دار المعارف، 1990، ص 113-115.
[2] ن.م، ص 30-32.
[3] الأنصاري، ابن هشام. شرح قطر الندى وبل الصدى. تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد. د.م: د.ن، د.ت، ص 328.
[4] عبد التواب، رمضان. التطور اللغوي. ط3. القاهرة: مكتبة الخانجي، 1997، ص 9-10.
[5] حسن عباس. النحو الوافي. ط3. ج4. مصر: دار المعارف، 1974. ص 200-276.
[6] ن.م.، ص 204، ملاحظة 1.
[7] ن.م.، ص 205. هامش تابع للملاحظة 1 المذكورة أعلاه.
[8] ن.م.، ص 202.
[9] الشرنوتي، رشيد. مبادئ العربية 4. ط8. بيروت: المطبعة الكاثوليكية، د.ت، ص104، هامش ملاحظة 1.
[10] حسن، عباس. م.س.، ص200، ملاحظة 1.
[11] ن.م.، ص229.
[12] ن.م.، ص270، حيث ذكر جواز صرف الممنوع ومنع المصروف في هذه الحالات.
[13] عبد التواب، رمضان. م.س.، ص 6.

المدير العام
Admin

عدد المساهمات : 65
تاريخ التسجيل : 25/01/2010

https://alhameem.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى