منتدى الحميم الثقافي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

قراءة في (مفردات فلسطينية /12 الميلاد ـ شعر : منذر فروانهة) ـ بقلم محمود مرعي

اذهب الى الأسفل

قراءة في (مفردات فلسطينية /12 الميلاد ـ شعر : منذر فروانهة) ـ بقلم محمود مرعي Empty قراءة في (مفردات فلسطينية /12 الميلاد ـ شعر : منذر فروانهة) ـ بقلم محمود مرعي

مُساهمة  محمود مرعي الجمعة يناير 29, 2010 9:10 am

مفردات فلسطينية /12 الميلاد ـ شعر : منذر فروانهة
الميلاد
أن أذوقَ الموتَ ألوانا
وأعبرَ جسرَ أوهامي
فتحملُني شراييني
إلى بحرٍ بلا شطآنْ
وأرسُمُ من شعاعِ الجرحِ
قِنديلاً من الأحزانْ
لينقلَني إلى كهفٍ
تهيمُ على مقابرهِ
- مجنَّحةً بلا عُنوانْ -
حشودُ البومِ والغربانْ
هناك تُحاصَرُ الأحلامُ والذكرى
وتَحرِق جثةَ الأحياءِ والموتى
يدٌ شطبتْ فلسطيناً عن الجدرانْ
يدٌ تمشي بلا قدمٍ
تبيعُ القهرَ بالمجَّانْ
ويبكي الكرملُ المحزونُ والوادي
وأرصفةٌ تُطلُّ على روابينا
وتندُبُ حظَّها المينا
تَعُدُّ دقائق الآتي
ولا ترضى
بديلاً عن أمانينا
وفوقَ أسنّةِ القضبانِ تعويذهْ
ضفائِرُها معلقةٌ على قربانْ
وسمٌّ يُزهرُ الدُّفْلَى
قراتي للقصيدة
توقفت طويلا بعد قراءة القصيدة ، ثم اعدت القراءة واطلت التأمل والتفكير ، حول الفكرة التي اراد الشاعر ان يوصلها لنا ونفهمها من قصيدته ، ثم بدات الصورة تتكشف رويدا رويدا ، وذلك من خلال ادراكنا للمسكوت عنه والتورية الشاخصة في القصيدة ، وهي قصيدة تحتمل القراءات وليس قراءة واحدة فقط.
لو قرأنا القصيدة بمعزل عن التورية والمسكوت عنه ، فلن تعدو القصيدة اكثر من وصف لواقع الشعب أو الفرد الفلسطيني ، طبعا باستثناء معين .
الميلاد ـ كلمة الميلاد تحمل دلالة ليست عادية هنا ، ولا هي الميلاد المتعارف عليه ، من خلال فهم القصيدة فهما سطحيا دون سبر غورها وادراك مراميها ، لكن حين نضعها في الاطار الصحيح للقراءة المدركة للنص ، فان مفردة الميلاد هنا تكشف لنا الخبايا ، ويمكن وضعها في حيز السؤال بكل بساطة ( الميلاد = ماذا يعني ؟) ، لكن ماذا يعني لمن ؟ هل للشاعر نفسه ؟ أم لنا نحن ؟ أم لغيرنا ولفئة محدودة ؟
كما اشرنا ، فان الوقوف على السطح هنا لن يفيد ، ولن تجود المفردات بما في بطنها ، وحين نراوغها قليلا ونتجول في احشائها تفيض علينا بالمخبوء ، من الشهد السائغ والفكر الفلسطيني الحر الذي يأبى الذل والخنوع ، وحينها نرفض قبل الشاعر نفسه ، هذا الميلاد ، وهو ما أرى أن الشاعر قصده بكل ما تشير القصيدة اليه ؛ وهنا ربما تكون قراءتنا على النقيض من قراءات اخرى .
الميلاد كعنوان هو دال ، ولا بد للدال من مدلول ، وبتأملنا في معاني القصيدة ، المدلول في هذه الحالة ، وفقا للقراءة السطحية ، فان هذا الميلاد يصبح نشازا غير مستساغ ؛ لكونه في هذا الحالة يعني كذا وكذا ، أي النص وسطحه فقط ، مع حذف الجوهر المترسب في القاع .
أما اذا اخذنا الميلاد ـ وهو عنوان قوي هنا ـ بمعنى السؤال الموجه لمتلق محدد ، يصبح الميلاد جزءا ملتحما بالنص وليس خارج حيزه ، ويكون معنى ( الميلاد : هل هو أن .... ؟ وما يتلو من سطور )؛ وهنا يشخص الرفض لميلاد كهذا ، فالوصف في النص لميلاد بائس ، ليس ما يصبو لمثله أي منا ، بله الشاعر ذاته ، ويحمل الذلة والاستكانة والرضى بواقع مر لا بد من تغييره اليوم او غدا ، لكنه تغيير قادم لا محالة .
بعد ( الميلاد ) نصطدم بالحرف ( أن) ، ولنا ان نسأل عن سبب وجوده كمفتتح للقصيدة ، وهو خارج متنها ، بمعنى ان التفعيلة ( مفاعَلَتُنْ) مخزومة ، والخزم شرحناه سابقا في قراءة نصوص اخرى ،( وهو زيادة حرف أو حرفين أو كلمة على بداية التفعيلة ، وهو خارج على المتن ، أي ليس جزءا من التفعيلة بل زيادة اقتضاها المعنى الذي يرمي اليه الشاعر) ، ولا تخالف (أن) هذه القاعدة هنا ، بل جاءت مطابقة لقاعدة الخزم ، بل ان الخزم هو ما يكشف المعنى ( أي ورود حرف النصب أن) ، وهذا يضيف اكثر ويزيد التساؤل والسؤال الموجه الى فئة محددة .
ويصح هنا ان نقرأ كالآتي ( الميلاد .. هل هو كذا وكذا ؟ أو هل هذا الميلاد الذي تريدونه لي ؟) والسؤال عادة موجه الى شخص او مجموعة ، وبهذه القراءة يصح العنوان والمفتتح ، والسؤال هنا سؤال انكاري ، أي هل هذا الميلاد الذي تريدونه ؟ أو هل تريدونني هكذا ؟ ؛ لكن يقفز الى الذهن سؤال اخر صادر عن المتلقي ( نحن) ، من هم المخاطبون هنا ؟ هل نحن من تخاطبنا القصيدة ؟ وهي تخاطبنا بمستوى معين ، لكن حتما السؤال الانكاري فيها ليس موجها لنا .
ليس صعبا علينا ادراك حقيقة السؤال ولمن هو موجه ، أو لاي متلق ، انه متلق واحد شذ عن قاعدة عزتنا وكرامتنا ، انه متلق باع البلاد والعباد للشيطان ، انه متلق يعيش بيننا ، بل ويأمر وينهى باسم جلادنا ويأتمر بأمره ، انه هم أولئك الذين باعوا قضية فلسطين من أولها لاخرها ، انهم (يدٌ شطبتْ فلسطيناً عن الجدرانْ).
انهم (يدٌ تمشي بلا قدمٍ / تبيعُ القهرَ بالمجَّانْ) ؛ ولذلك:
(ويبكي الكرملُ المحزونُ والوادي
وأرصفةٌ تُطلُّ على روابينا
وتندُبُ حظَّها المينا
تَعُدُّ دقائق الآتي
ولا ترضى
بديلاً عن أمانينا)
وهنا ينكشف المسكوت عنه في النص ، وهو المخاطب الحقيقي ( هم) لا المجازي ( نحن) ، انما هو اولئك الذين يعريهم الشاعر ويفضحهم ، لانهم يريدون لنا ميلادا كهذا ، ولجوء الشاعر الى هذا الاسلوب ، اعطى القصيدة زخما وأبعادا زادت من جماليتها ، وأتاح القراءة المختلفة ، والتي برزت من خلال اسقاطنا للتورية في الخطاب ؛ وفي قصة أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه ، حين هاجر مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تبرز التورية :
سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو مهاجر معه من مكة إلى المدينة من هذا ؟ فقال : رجل يهديني السبيل . وفي رواية : هاد يهديني السبيل .
فحين سئل أبو بكر الصديق عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من هذا ؟ وقع في مأزق ، لأنه إن كشف عن شخص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ استدل عليه أعداؤه من قريش الذين يلاحقونه ويتحرون عنه ، و‏إن قال أبو بكر شيئًا آخر كان غير صادق ، وكيف وهو الصادق الصِّدِّيق الذي لم يؤثر عنه غير الصدق ؟ ولذلك قال : رجل يهديني السبيل ، فطن السائل أنه دليل من أدلاء الطرق في الصحراء وقصد أبو بكر أنه رسول الله الذي يهديه سواء السبيل وكلا المعنيين في العبارة .
وهناك حميد بن ثور الهلالي ، وهو مبتكر التوية في الشعر ، فقد تغزل بحبيبته بعد ان أصدر الخليفة عمر بن الخطاب ، أمرا بعدم ذكر الشعراء اسماء محبوباتهم او النساء عامة في اشعارهم ، فلجأ حميد الى اسلوب التورية ، والتورية هي اشتمال الكلام على معنيين ، قريب وبعيد ، فالقريب هو المعنى الذي يتبادر الى ذهن القارئ العادي ، أما البعيد فهو المعنى الحقيقي الذي قصده المتكلم ، فقال حميد :
أبى الله إلا أن سرحة مالك ** على كل أفنان العضاة تروق
فشبه محبوبته بالشجرة الطويلة ( سرحة تروق) والعضاة من الشجر ، أي ان محبوبته طويلة بين النساء لدرجة انها تظهر وتعرف من بينهن .
ختاما : أرى أن القصيدة بتوريتها ، صرخة تدوي في الأسماع ، وليس مجرد نص نستمتع بقراءته ونمضي وننساه ، انها صرخة في الاسماع ، ولا بد أن تصل هذا الصرخة وتؤتي أكلها ، ان لم يكن اليوم فغدا ، وبشائر الفجر قد أظلت الشرق عموما ، وليس فلسطيننا فحسب .
والان : هل أصبنا في قراءتنا المغايرة ؟ أم هي قراءة عادية ؟ الجواب لدى الشاعر وفي بطنه ، كما يقال : المعنى في بطنك يا منذر هههه.
تقديري لك أخي منذر ، وما احوجنا الى ابداع كهذا .

رابط القصيدة
http://alfakhora.net/vb/showthread.php?t=5688

محمود مرعي
Admin

عدد المساهمات : 27
تاريخ التسجيل : 25/01/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى