منتدى الحميم الثقافي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

قراءة في قصيدة ـ وينمو جناحاي ـ للشاعرة فاتن دراوشة ـ بقلم محمود مرعي

اذهب الى الأسفل

قراءة في قصيدة ـ وينمو جناحاي ـ للشاعرة فاتن دراوشة ـ بقلم محمود مرعي Empty قراءة في قصيدة ـ وينمو جناحاي ـ للشاعرة فاتن دراوشة ـ بقلم محمود مرعي

مُساهمة  محمود مرعي الجمعة يناير 29, 2010 9:19 am

القصيدة:
وَينمو جَناحايْ
كَطائِرِ رَخٍّ حَديثِ الوِلادَةِ
أَحمِلُ ريشي وأمضي
بَعيدًا عنِ العُشِّ
أزرَعُ في الغَيْمِ شَوْقًا
وفي جَبهَةِ الشّمسِ حُلْمًا رَضيعًا
يُراوِدُ نَجْمَ السّماءِ عنِ النّورِ طَوْرًا
ويَسرِقُ بعضَ النّسيمِ منَ البحرِ طورًا
وأترُكُ ظلّي غَزالاً صَغيرًا
يُمارِسُ طَقْسَ التَعَثُّرِ فَوقَ الهِضابِ الغَريبَةْ
ويرضَعُ شهدَ الأماني منَ الدّيْمَةِ الحالِمَةْ
لَهُ المَهْدَ أبني مِنَ الضّلعِ حينًا
وَمِنْ وَرَقِ الزّهْرِ حينًا
وأرسُمُ ضِحكَتَهُ الواهِيَةْ
عَلى صَدْرِ رَيْحانَةٍ حانِيَةْ
تُؤَدّي الصلاةَ بِمِحْرابِ نَهْرٍ عَجوزٍ
وَتُهدي مَناسِكَها للمِياهِ
وَحينَ يُوَلّي الهَجيرُ جَناحَيْهِ شَطْرَ الجِبالِ البَعيدَةِ
حَيْثُ الأَمَل
يُداعِبُ خَدَّ البَراعِمِ
قَدْ يَلْفِظُ الغَيْمُ بَعْضَ فَراشاتِ غَيْثٍ هَزيلَةْ
تُراقِصُ أوراقَ أشجارِ تينٍ مُسِنَّةْ
لِتَسْقُطَ كالثّلجِ تَحْضِنُ صَدْرَ التُّرابِ
وَتودِعُ آثارَ سِحْرٍ قَديمٍ بِحِضْنِ الثّرى
سَيَمْنَحُ طَيْفُ الغُروبِ الحَزينُ قُروحَ الجُفونِ المُدَمّاةِ
خَصْرَ الأفُقْ
لِيُعْلِنَ مَوْتَ النّهارِ
وَيُغْمِدَ خنْجَرَ عُتْمٍ بِصَمْتِ السّماءِ
سَأغدو كَعُصفورِ عِشْقٍ طَليقٍ
يُقايِضُ ريشَ جَناحَيْهِ بالعِطْرِ كَيْ
يَمْنَحَ الدّفءَ قَلْبَهْ
سَأُوسِدُ فَجْري بِعَيْنَيْكَ دَهْرًا
وَأجْعَلُ منْ صَدرِكَ الغَضِّ أُرْجوحَتي
وأرشِفُ منْ شَفَتَيْكَ مُدامًا
وأمتَصُّ دفءَ الشُّروقِ منَ النّظْرَةِ الهائِمَةْ
وَنَمضي سَوِيًّا بِحُلْمٍ جَميلٍ
يُداعِبُ خَدَّ المَساءِ بِأطيافِهِ
مُعْلِنينَ بِدايَةَ فَصْلٍ جَديدٍ
مِنَ الحُبِّ والأمنِياتِ
وبالبَحْرِ نَغْرَقْ
وَنُقسِمُ أنَّ ثَرى البَحرِ أزْرَقْ
وأنَّ مِياهَ المُحيطِ تُعانِقُ مِلْحَ الصُّخورِ
وأنَّ السّمَكْ
يُداعِبُ شَعْرَ الطّحالِبِ
يَزْرَعُ بَيْنَ ثَناياهُ بَعْضَ البُيوضِ
كَدُبّوسِ شَعْرٍ بَهِيٍّ
ونوقِنُ أنَّ السُّنونو النَّحيلَ
سَيَرْكَعُ في جَنَباتِ الصُّخورِ
وَيَهْمِسُ تَرتيلَةً للمَحارِ
سَنَبْني على الشطِّ بَيْتًا مِنَ الرّملِ
نُسْكِنُ فيهِ الحُلُمَ
نُحيكُ رِداءً منَ القُبُلاتِ
بِسنّارَةٍ منْ شِفاهٍ رَقيقَةْ
وَنُطْلِقُ سِرْبًا منَ النّظَراتِ الجَريئَةْ
يُراقِبُ عُشْبَ الهَيامِ
عَلى طُهْرِ أرْضِ القَمَرْ
وَنَزْرَعُ فَجرًا جَديدًا
لِعِشْقٍ وَليدٍ نَما في القُلوبِ
وَنَرْقُبُ أنْ يَحْتَوينا المَساءُ
بأضلاعِ عُتْمَتِهِ السُرمُدِيَّةْ
وأنْ يَسكُبَ اللّيْلُ خَمْرًا
بِكَأْسِ العِناقِ
لِنُبْحِرَ بالعِشْقِ حَدَّ الغَرَقْ
ونُمْعِنَ بالغَوْصِ فيهِ الأرَقْ
عَميقًا عَميقًا
نُجافي المَنامَ
وَيَسْكُنُ فينا الهَيامُ
وَنُقْسِمُ أنّا
سَنَحْفَظُ في القلبِ عَهْدَ الغرامِِ


قراءتنا :


وَينمو جَناحايْ
كَطائِرِ رَخٍّ حَديثِ الوِلادَةِ
أَحمِلُ ريشي وأمضي
بَعيدًا عنِ العُشِّ
كثيرا ما يصادفنا في الادب الحديث ، القول ان الاسطورة هي المجال الخصب للابداع ، وهنا ندخل من بداية القصيدة الى هذا المجال الاسطوري
؛ وفي عالم الاسطورة لا مستحيل ، فكل شيء يمكن ان يحدث ، فالميت يعود الى الحياة ، والبطل يتغلب على الالهة ، ويتحول الشرير الى حجر ،
حسب السياق .
هنا نجد الشاعرة قد ولجت بقصيدتها باب ما يجوز تسميته قصيدة مؤسطرة، فهي من بداية القصيدة تقول : ( وَينمو جَناحايْ /
كَطائِرِ رَخٍّ حَديثِ الوِلادَةِ) ، وقبل الوقوف على طائر الرخ ، لا بد من التوقف عند الواو والفعل ( وينمو) ،
لماذا افتتحت الشاعرة بهذه الصغية ولم تقل مثلا ( ينمو جَناحايْ) ؟، هذه الواو ماذا تعطينا ، وماذا تزيد من أبعاد ؟، كونها افتتاحية هنا ،
فالفعل ينمو مضارع في كلا الحالين ، مع الواو وبدونها ، لكن الواو اعطته بعدا آنيا لا يتوقف، كانها تقول : وها هما جناحاي ينموان وينموان
بلا توقف، أي الان ، فعل فيه آنيَّة النمو مع استمرارها طالما بقيت هذا الواو قائمة في موقعها .
نأتي الى طائر الرخ ، وهو طائر خرافي أسطوري ، وللسندباد البحري في قصص ألف ليلة وليلة حكايا معه ، بل وهناك من قال انه شاهده
كابن بطوطة مثلا ، وقيل ان بيضة الرخ عملاقة ، كالقبة ، كما تروي احدى الاساطير ( وقال هذا الرجل إنه سافر مع بعض التجار في احدى
السفن فألقت بهم الريح على شاطئ جزيرة عظيمة واسعة الأرجاء . فخرجوا من السفينة ليتزودوا بالماء والحطب ومعهم الفؤوس والحبال
والقرب فشاهدوا في الجزيرة قبة عظيمة بيضاء تلمع في أشعة الشمس . فدنوا منها فوجدوا أنها بيضة الرخ) ، وهنا تلميح انها بيضة عملاقة.
وكذلك فان الرخ موكل بتعذيب برومثيوس ، باكل كبده ، في الاساطير الاغريقية ، لان برومثيوس نقل سر النار الى البشر ،
فعوقب من زيوس، ولسنا بصدد الخروج عن موضوعنا ، والاسطورة حسب التعريف : حكاية عجيبة خارقة للعادة ، او وقائع تاريخية ،
زينتها الذاكرة الجماعية وغيرت فيها ؛ اذن نحن هنا أمام خارج عن المألوف ، فنمو الجناحين كطائر الرخ ، لاحظ كطائر وليس كفرخ ،
حديث الولادة ، ثم ، أحمل ريشي ، وليس ينبت الريش ، مع ان الجناحين في حالة نمو ، والريش كسوة جناحي وجسم الطير ،
فلماذا قالت أحمل وأمضي بعيدا عن العش ؟ . هل قصدت بالريش الثوب مثلا ؟ كما في قوله تعالى :
{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً .... }الأعراف26 ، فيكون المشهد اننا امام رحلة الى عالم مختلف عن عالم الوقع
، تبدو هذه القراءة محتملة لما سيرد بعد هذه الافتتاحية :
أزرَعُ في الغَيْمِ شَوْقًا
وفي جَبهَةِ الشّمسِ حُلْمًا رَضيعًا
يُراوِدُ نَجْمَ السّماءِ عنِ النّورِ طَوْرًا
ويَسرِقُ بعضَ النّسيمِ منَ البحرِ طورًا
نتوقف قليلا عند المفردات ، شوقا ، حلما رضيعا ، النور والنسيم ؛ انها مفردات تشي بمعانيها ، وتكشف مسكوتا عنه في النص
وهو امنية الشاعرة ـ حقيقة لا خيالا ـ وهي امنية تندرج في سياق الحب والخير والجمال والبراءة ـ وهي امنية تتمنى تحققها ، وما نتمناه هو ما
نفتقده في واقعنا ، وبهذا يمكن استنتاج معنى ما او ربما هو وجع خفي علينا تشعر به الشاعرة وحدها . لنقرأ المفردات قراءة تفسير
وقد نصيب وقد نخطئ : الشوق ـ اللهفة والمحبة . حلما رضيعا : ربما البراءة الطفولية ، فهو ما زال رضيعا . النور : الوضوح أو النور ذاته
بمعنى الضياء ، عكس الظلام ، وربما الامان كون الظلام فيه خوف والنور يكون ضد الظلام ويحمل ضد ما يحمله الظلام .
النسيم : الرقة والشفافية . مفردات تعبر عن واقع متخيل ، وهو أسطوري غير كائن الا في مخيلاتنا ويمثل امنية عصية على التحقق :
الحب ، البراءة ،الأمن والرقة .
وأترُكُ ظلّي غَزالاً صَغيرًا
يُمارِسُ طَقْسَ التَعَثُّرِ فَوقَ الهِضابِ الغَريبَةْ
ويرضَعُ شهدَ الأماني منَ الدّيْمَةِ الحالِمَةْ
(وأترُكُ ظلّي غَزالاً صَغيرًا) ، صورة مدهشة ، لكن الظل هنا ليس ظلا عاديا ، ربما شبح الشاعرة ، او النفس ، فالظل يجسد حدود هيكل الانسان
في الضوء ، وغزالا صغيرا ، لا اي غزال ، بل صغير ، وهنا نعود الى الطفولية والحلم الرضيع ، حيث نرى توافقا هنا ؛ وهذا الغزال يمارس
( طقس التعثر) جمالية التعبير هنا في اسقاط طقس على التعثر ، ذلك ان تعثر الغزال الصغير لا اراديا ، واسقاط الطقس عليه نقله من اللا ارادية
الى الارادة ، فالطقوس تمارس بادراك حقيقتها ممن يمارسها ، كالصلاة والاعراس وسوى ذلك .
لَهُ المَهْدَ أبني مِنَ الضّلعِ حينًا
وَمِنْ وَرَقِ الزّهْرِ حينًا
وأرسُمُ ضِحكَتَهُ الواهِيَةْ
عَلى صَدْرِ رَيْحانَةٍ حانِيَةْ
تُؤَدّي الصلاةَ بِمِحْرابِ نَهْرٍ عَجوزٍ
وَتُهدي مَناسِكَها للمِياهِ
وَحينَ يُوَلّي الهَجيرُ جَناحَيْهِ شَطْرَ الجِبالِ البَعيدَةِ
حَيْثُ الأَمَل
يُداعِبُ خَدَّ البَراعِمِ
حين ندقق في المشهد نرى عالما حالما ترفع صورته الشاعرة امامنا ، يفيض الفة وحنوا ، ولكون الغزال يمارس طقسا ،
والطقس لون من عادة أو عبادة ، لذا نجد المفردات هنا تتناص قرآنيا : المهد ، الصلاة ، محراب ، عجوز ، مناسك , يولي ، شطر.
قَدْ يَلْفِظُ الغَيْمُ بَعْضَ فَراشاتِ غَيْثٍ هَزيلَةْ
تُراقِصُ أوراقَ أشجارِ تينٍ مُسِنَّةْ
لِتَسْقُطَ كالثّلجِ تَحْضِنُ صَدْرَ التُّرابِ
وَتودِعُ آثارَ سِحْرٍ قَديمٍ بِحِضْنِ الثّرى
الاستعارة في قولها ( فراشات غيث هزيلة ) جميلة جدا ، لكن اضعفتها حين نزلت الى مرتبة التشبيه حين جعلتها ( تسقط كالثلج)
ولو قالت ( لتسقط قطنا او ثلجا ) لكان ابلغ ، ومعروف ان الاستعارة أبلغ من التشبيه ، كقولنا ( فلان أسد ) فهو ابلغ من قولنا ( فلان كالاسد)
واراها اضعفت الصورة كثيرا بقولها ( أشجار تين مسنة ) فكلمة مسنة هنا لا ارى لها محلا ، كذلك قولها ( آثار) ولو جعلت الجملة هنا :
(وَتودِعُ سِحْرًا قَديمًا بِحِضْنِ الثّرى) ، والسحر القديم نرجح انه الحياة وتجددها ، والسحر يفتن ويدهش ، وكذلك تجدد الحياة ، الذي تودعه
القطرات فتنبعث الحياة من جديد تسحر النظر.
سَيَمْنَحُ طَيْفُ الغُروبِ الحَزينُ قُروحَ الجُفونِ المُدَمّاةِ
خَصْرَ الأفُقْ
لِيُعْلِنَ مَوْتَ النّهارِ
وَيُغْمِدَ خنْجَرَ عُتْمٍ بِصَمْتِ السّماءِ
هنا ارى ضعفا ما ، فلو قالت ( رحيل النهار ) فهو أجود من موته لأن النهار سيتجدد حتما ، ولو مات لما كان تجدده .
قولها : عُتْمٍ ـ بعيد جدا عن المعنى الذي ارادته ، فهي ارادت الْعَتْمَ وليس العُتْمَ ، وما أوسع الشقة بينهما ،
والعُتْمُ، بالضم وبضَمَّتَيْنِ: شَجَرُ الزَّيْتُونِ البَرِّيِّ. هكذا في القاموس المحيط ؛ وفي اللسان ورد اسما لشخص وذكر :
ارْمِ على قَوْسِكَ ما لم تَنْهَزِمْ ** رَمْيَ المَضَاءِ وجَوادِ بنِ عُتُمْ
وقال شارحا : يجوز في عُتُمٍ أَن يكون اسم رجل وأَن يكون اسم فرسٍ.
سَأغدو كَعُصفورِ عِشْقٍ طَليقٍ
يُقايِضُ ريشَ جَناحَيْهِ بالعِطْرِ كَيْ
يَمْنَحَ الدّفءَ قَلْبَهْ
لو تاملنا في المقايضة هنا وريش الجناحين ، نجد ان الريش اغلى ما يملك الطير ، خاصة ريش الجناحين ، لانه بدون هذا الريش لا يطير
وربما لا يعيش ، والمقايضة بالعطر كي يمنح الدفء لقلبه ، وما دام كذلك ، فخلف الحروف يطل الحبيب براسه ، ولذا انتقل الخطاب
اليه مباشرة :
سَأُوسِدُ فَجْري بِعَيْنَيْكَ دَهْرًا
وَأجْعَلُ منْ صَدرِكَ الغَضِّ أُرْجوحَتي
وأرشِفُ منْ شَفَتَيْكَ مُدامًا
وأمتَصُّ دفءَ الشُّروقِ منَ النّظْرَةِ الهائِمَةْ
وَنَمضي سَوِيًّا بِحُلْمٍ جَميلٍ
يُداعِبُ خَدَّ المَساءِ بِأطيافِهِ
مُعْلِنينَ بِدايَةَ فَصْلٍ جَديدٍ
مِنَ الحُبِّ والأمنِياتِ
حميمية ونشوة تفردان اجنحتهما هنا ، فصدره ارجوحتها ، والمدام في شفتيه ودفء الشروق في نظرته ؛ ثم المضي معه عبر حلم
يداعب خد المساء ، معلنين بداية عهد وفصل جديد ، من الحب والاماني .
نلفت انتباه الشاعرة الى قولها ( سويا) ، فلا وجود لها كمفردة فصيحة بالمعنى الذي قصدته ، وانما كلمة ( مَعًا) ، ورغم ان البعض يستعملها
، لكنها ليست صحيحة ، وقد جاءت في القرآن في أربعة مواضع ، ولا نجد في جميعها المعنى الذي أرادته الشاعرة ، وهو ( معًا):
1 ـ {قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً }مريم10
2 ـ {فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً }مريم17
3 ـ {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً }مريم43
4 ـ {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }الملك22
وبالبَحْرِ نَغْرَقْ
وَنُقسِمُ أنَّ ثَرى البَحرِ أزْرَقْ
وأنَّ مِياهَ المُحيطِ تُعانِقُ مِلْحَ الصُّخورِ
وأنَّ السّمَكْ
يُداعِبُ شَعْرَ الطّحالِبِ
يَزْرَعُ بَيْنَ ثَناياهُ بَعْضَ البُيوضِ
كَدُبّوسِ شَعْرٍ بَهِيٍّ
ونوقِنُ أنَّ السُّنونو النَّحيلَ
سَيَرْكَعُ في جَنَباتِ الصُّخورِ
وَيَهْمِسُ تَرتيلَةً للمَحارِ
تغرق الشاعرة معه ، وتغرقنا في حلم جميل ولجنا اليها بارادتنا ، فرأينا ما أرتنا من ثرى ازرق للبحر ، ومياه تعانق ملح الصخر
وليس تلطم الصخر، وبيوض سمك في ثنايا شعر الطحالب ، وركوع السنونو وهمسه المرتل.
سَنَبْني على الشطِّ بَيْتًا مِنَ الرّملِ
نُسْكِنُ فيهِ الحُلُمَ
نُحيكُ رِداءً منَ القُبُلاتِ
بِسنّارَةٍ منْ شِفاهٍ رَقيقَةْ
وَنُطْلِقُ سِرْبًا منَ النّظَراتِ الجَريئَةْ
يُراقِبُ عُشْبَ الهَيامِ
عَلى طُهْرِ أرْضِ القَمَرْ
وَنَزْرَعُ فَجرًا جَديدًا
لِعِشْقٍ وَليدٍ نَما في القُلوبِ
الصور هنا جميلة ورائعة ، الا اخر سطر فلا ارى فيه اي بعد غير بعده التقريري المعروف ، فالعشق في القلب .
قولها ( بسنارة ) وهي تريد الصنارة ، جانب المعنى المراد ، فالسنارة ليس صنارة ، وقد ورد في اللسان:
(والسُّنَّارُ والسِّنَّوْرُ: الهِرُّ، مشتق منه، وجمعه السَّنَانِيرُ.) ، وقياسا عليه يمكن القول : السنارة بمعنى الهرة ، أي القطة .
وَنَرْقُبُ أنْ يَحْتَوينا المَساءُ
بأضلاعِ عُتْمَتِهِ السُرمُدِيَّةْ
وأنْ يَسكُبَ اللّيْلُ خَمْرًا
بِكَأْسِ العِناقِ
قولها ( عُتْمَتِهِ) ، ذكرنا العُتْمَ ومعناه في ما سبق ولا حاجة للتكرار ، هنا أجد صورة مختلفة ، فالسرمد لغة ، الدائم بلا انقطاع
وعتمة سرمدية اي دائمة لا يوجد لها بَعْدُ ، فهي مستمرة الى الابد ، والمساء ساعات ويعقبه فجر ونور ، فأي مساء هذا؟،
انه مساء اسطوري ، وقلنا في بداية الكلام انه في الاسطورة لا مستحيل ، ولذا جاز لعتمة هذا المساء ان تكون لها اضلاع ،
ثم العتمة في الليل ، أما المساء عادة ووفق المتعارف عليه فانه يحمل بقايا ضوء من نهار ، أي بداية الاظلام،
لكن جعلها للمساء عتمة ومباشرة بعدها ذكرت الليل فغريب ، ويختلف عنه لو انها فصلت بيتهما بفقرة أو بضعة أشطر.
لِنُبْحِرَ بالعِشْقِ حَدَّ الغَرَقْ
ونُمْعِنَ بالغَوْصِ فيهِ الأرَقْ
عَميقًا عَميقًا
نُجافي المَنامَ
وَيَسْكُنُ فينا الهَيامُ
وَنُقْسِمُ أنّا
سَنَحْفَظُ في القلبِ عَهْدَ الغرامِ
هنا استمرار للحلم جاء متناسقا ومنسجما مع باقي أجزائه التي سبقت ، ومنسجما مع امنيات الشاعرة من مطلع
القصيدة حتى ختامها ، وكاني بالقصيدة كلها عبارة عن حلم طفولي بريء ، يشع نورا وجمالا ، لكنه يبقى في حيز التمني ،
والخيال الذي يبلغ حدا اسطوريا ، يجد تحققه على الورق حبرا لا واقعا .
قولها ( ونُمْعِنَ بالغَوْصِ فيهِ الأرَقْ) ضمير الغائب في قولها ( فيه) يشي بحيرة ما حول على من يعود الضمير هنا ، رغم ادراكنا ان
الشاعرة تقصد في الارق ، لكني اراه زائدا هنا ، وكان الأصوب الاستغناء عنه ولو قالت كمثال : ( ونمعن في غوصنا في الارق)
لكان أصوب ؛ وهنا أيضا ، رغم ان الارق لا يكون طوعا ، بل قسريا ، الا انها انسنته وحببته الى القارئ .
كلمة ختامية : الشاعرة اراها قد نجحت في رحلتها عبر المسالك التي خطت فيها في ثنايا القصيدة وما صادفت ، وكانت درجات الصعود
في فضاء الابداع وجمالية النسج بارزة جدا ، وشخصنة الجماد وانسنته زادت من جماليات القصيدة .
اضافة لما سبق ، يمكننا القول ان القصيدة تظل في حيز التمني والمتخيل ، وتعكس ما يجول في خاطر الشاعرة مما تتمنى لو اصبح واقعا ،
وبهذا المعنى نلمح شكوى من واقع ، نستشعرها من خلال الامنيات ، والجماليات الشاخصة ، وربما هي المسكوت عنه الذي كشفه
الضد ، والضد يكشف صورة الضد . في الأصل ( يظهر حسنه) وقد حورناها لتناسب القصد.
وبعد : هذه قراءتنا لقصيدة ابداعية لشاعرة نرى انها تقبض على جمر الابداع ، وتملك ناصية الحرف وتتوغل في نشر مراميه فيما تسكب من جمال،
وتظل بعد هذا وغيره قراءتنا قراءة لنص ، قد يقرأه غيرنا بطريقة مغايرة ، ولا باس ، فتعدد القراءات مما يحسب للنص وصاحبته لا عليهما.

رابط القصيدة http://alfakhora.net/vb/showthread.php?t=4508

محمود مرعي
Admin

عدد المساهمات : 27
تاريخ التسجيل : 25/01/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى