ملاحظات على قصيدة ـ صوني بقلبك يا مناي مكاني / ناصر الحريري ـ بقلم : محمود مرعي

**محمود مرعي** السبت يناير 30, 2010 8:44 am

[size=21]القصيدة[/size]
الَليْلُ خَيـمَ فاحْتـوى أَحْزانـي
وَنُجومُه غابـت فـزَال مكانـي
وَرَويـتُ قصتـي فـي الهَـوى
للْعاشقيـنَ وللقَمـر فَبكـانـي
وَتَركتُ قلبـي عندهـا وسَألتـهُ
أَنْ يأتي؟ جِسْمي متعباً فَأبانـي
وَسمعتُ صَوتاً آتياً منْ صَوْبهـا
يُشيـعُ أَن حَبيبتـي تَهْـوانـي
فَشَعرتُ بالحبِ الكبيـرِيَهُزنـي
وَيَقولُ دعْ عنك الرَحيلَ ثوانـي
فَأجَبْته والدَمْع مِنْ عينـي روى
ألِأَن عنه حبيبتي ... تنَهْانـي ؟
أَخْبرها يا حُب اشْتياقي لِثَغْرِهـا
وَالحُبُ أَضْرمَ في الحشا نيرانـي
لو كانَ دمعُ العينِ يكفي .. ذَرفْتُه
وَتَركتُ بعدَ نُضوبِهـا أَجْفانـي
لكنَ قلبي لمَ يَزل مُتعلقاً بحبيبتي
لِلْآَن ... يَوماً لمْ تَشأْ تَنْسانـي
يا روح هذا القلب فيه صبابتـي
يهديكِ من شغف الهوى ألحانـي
فغداً أكـون بـلا مكـانٍ هائـم
صوني بقلبك يا منـايَ مكانـي

[size=21]القراءة[/size]

تحية طيبة لك اخي الشاعر ، نبدأ نقد القصيدة من المعاني ، ثم عروضيا لتقف على مواطن الضعف والقوة في شعرك ،والبدايات لدى جميعنا واحدة نكبو ثم نقف ، وان كنت انصحك بشيء فهو ان تغني قصيدتك قبل نشرها ، فمثلا هذه القصيدة للشيخ البرعي على بحر الكامل ، ويمكن انشادها على لحن (يا راحلين إلـى منـى بقيـادي *** هيجتموا يوم الرحيـل فـؤادي) ، وهناك الحان سوى لحنها .
الَليْلُ خَيـمَ فاحْتـوى أَحْزانـي
وَنُجومُه غابـت فـزَال مكانـي
في العادة ان حزن المحب يطغى ليلا نتيجة وحدته والسكون المطبق حوله ، وبعد المحبوب عنه ، والاحتواء فيه مواساة ، فهل الليل حبيب ليحتوي حزنك ؟ لا يبدو في القصيدة اثر لهذا ، والدليل عجز البيت ( ونجومه غابت ) وهذا يعني السهر طول الليل ( خيم ، أي ابتدا وأقبل ـ وغياب النجوم يكون وقت الفجر ) . قولك ( فزال مكاني ) هل قصدت الانتقال من مكان الى مكان ، أم هزة الشوق ورعدة العشق ؟
وَرَويـتُ قصتـي فـي الهَـوى
للْعاشقيـنَ وللقَمـر فَبكـانـي
انسنة القمر وجعله يبكي تعطي صورة شعرية جميلة ، لكنك جعلته وهو جماد يبكيك ، بينما العاشقون وهم أهل المعاناة نفسها ، نفيت عنهم ، ولو أشركتهما في البكاء مع القمر لاتيت بصورة ومعنى جملين.
وَتَركتُ قلبـي عندهـا وسَألتـهُ
أَنْ يأتي؟ جِسْمي متعباً فَأبانـي
هنا اراك وقعت في تناقض وعدم وقوف على المعنى الذي تقصده ، فالترك فعل ارادي وليس فعلا قهريا ، أي ان الانسان حين يترك شيئا فبارادته ، ولا نعني ترك الاكراه ، المغصوب عليه الشخص ، ولو قلت ( ونسيت) لكنت في حيز المقبول ، وذلك ان شدة اللهفة والشوق للمحبوب تنسي العاشق . بعدها تقول (وسألته أن يأتي فأباني) ، فمن ناحية أنت تركته ، ثم تناديه ويأبى ، برأيي هذا البيت يحتاج اعادة صياغة ليستقيم معنى ونحوا . فقولك ( جسمي متعبًا صوابه جسمي متعب).
وَسمعتُ صَوتاً آتياً منْ صَوْبهـا
يُشيـعُ أَن حَبيبتـي تَهْـوانـي
هنا أرى أنك فضحت الحبيبة بقولك ( صوتا اتيا ، يشيع) فالأولى ان تجعل الصوت هامسا ، فالحبيبة لا تصرخ وتنادي لتبلغ حبيبها بحبها ، بل تهمس له همسا أو تتحدث بينها وبينه ، لكن هنا الصوت آت من صوبها ، فكانها بعيدة عنك موقعا.
فَشَعرتُ بالحبِ الكبيـرِيَهُزنـي
وَيَقولُ دعْ عنك الرَحيلَ ثوانـي
هذا البيت جميل موسيقى ومعنى ، وحبذا لو عدلت في الابيات السابقة ليتناسق المعنى كله .
فَأجَبْته والدَمْع مِنْ عينـي روى
ألِأَن عنه حبيبتي ... تنَهْانـي ؟
قولك هنا ( روى) فيه كلام ، ولو قلت ( همى) لكان أوفق ، لان دمع الهجر والفراق حارق ، وليس يروي ، وهنا روى الخد ، والمعنى الأوفق همى أي سال .
ثم تساؤلك ( ألأنَّ) لا محل له هنا ، لان المحب يلبي ما يطلب منه الحبيب ، الا في حالة الفراق والرحيل ، ولكن الابيات التالية تكشف مدى الحب ، اذن ، التساؤل لا محل له .
أَخْبرها يا حُب اشْتياقي لِثَغْرِهـا
وَالحُبُ أَضْرمَ في الحشا نيرانـي
قولك ( نيراني) لا يستقيم معنى مع المطلوب ، فنسبة النيران اليك لا تتفق مع السياق ، ولو قلت (نيرانا) لأصبت المعنى .
لو كانَ دمعُ العينِ يكفي .. ذَرفْتُه
وَتَركتُ بعدَ نُضوبِهـا أَجْفانـي
لكنَ قلبي لمَ يَزل مُتعلقاً بحبيبتي
لِلْآَن ... يَوماً لمْ تَشأ تَنْسانـي
يا روح هذا القلب فيه صبابتـي
يهديكِ من شغف الهوى ألحانـي
فغداً أكـون بـلا مكـانٍ هائـم
صوني بقلبك يا منـايَ مكانـي
المعاني تتابعت بتناغم وتسلسل جميل ، يكشف المشاعر الحقيقية للمحب تجاه حبيبته ، ولو ختمت القصيدة على هذا النسق لكان اجمل من هذه الخاتمة ، لان العاشق يرجو ويتمنى ويطلب قرب الحبيب والوصال الدائم ، بلا رحيل ولا هيام في لا مكان ، ثم تلقي لها بوصية (صوني بقلبك يا منـايَ مكانـي) ، فهل من تنهى عن الرحيل ، وتطلب البقاء ولو لثواني معدودة ، يكون جزاؤها هكذا ؟ .
هذا راينا من ناحية المعاني ، وننتقل الى الناحية العروضية والاوزان :
الَليْلُ خَيـمَ فاحْتـوى أَحْزانـي
وَنُجومُه غابـت فـزَال مكانـي
القصيدة جاءت على بحر الكامل المقطوع الضرب ، ووزن البيت هنا سليم والتصريع زاده جمالية .
وَرَويـتُ قصْـ/صّتـي فـي الْـ/ هَـوى
مُتَفاعِلُنْ / فَعولُنْ /فَعو
ليس هذا من اوزان الكامل ولا سواها فهو خلل في الوزن.
للْعاشقيـ/ نَ وللقَمـرْ / فَبكـانـي
مُسْتَفْعِلُنْ / مُتَفاعِلُنْ / مُتَفاعِلْ / الوزن هنا سليم ويجب تسكين اخر كلمة (وللقمرْ) والتسكين من الجوازات في الشعر.
وَتَركتُ قلبـي عندهـا وسَألتـهُ
أَنْ يأتي؟ جِسْمي متعباً فَأبانـي
حتى يستقيم الوزن يجب أن نقرأ ( يأتي) خطفا ( يَأْتِ) .
وَسمعتُ صَوتاً آتياً منْ صَوْبهـا
يُشيـعُ أَنْ/ نَ حَبيبتـي/ تَهْـوانـي
مُفاعِلُنْ / مُتَفاعِلُنْ/ مُتْفاعِلْ
من زحافات (مُتَفاعِلُنْ) الوقص ، وهو حذف الثاني المتحرك ، فتظل التفعيلة (مُفاعِلُنْ) لكنه شاذ ، وقديما حكموا بشذوذه ، وهناك في عصرنا من رفضه ، ولو كان سائغا في الذوق لوجدناه بكثرة ، ولو قلت ( وَيُشيعُ) لاستقام الوزن .
أَخْبرها يا /حُب اشْتيا/ قي لِثَغْـ/ رِهـا
مَفْعولاتُنْ / مُسْتَفِعِلُنْ / فاعِلُنْ / فَعو / هذا الصدر مختل الوزن ولا يستقيم ، وحتى لو قرأنا ( أخْبِرْهَـ) خطفا ، سيظل بحاجة لاعادة صياغة .
لو كانَ دمـ/ عُ العينِ يكـ/ في .. ذَرفْتُه
مُسْتَفِعِلُنْ / مُسْتَفِعِلُنْ/ فاعِلُنْ / فَعو / هنا أيضا ، يجب القراءة خطفا(يَكْفِ) حتى يستقيم الوزن ، وليس من الصواب القراءة خطفا ، فاعتبار الكلمة في الشعر بلفظها ، ولو قرئت خطفا لظن أنها مجزومة او جواب شرط أو ما شابه مما يقتضي حذف ياء الفعل، وهذا ينطبق على ما سبق أيضا.
لكنَ قلـ/ بي لمَ يَزل / مُتعلقاً / بحبيبتي
مُسْتَفِعِلُنْ / مُسْتَفِعِلُنْ / مُتَفاعِلُنْ/ مُتَفاعِلُنْ / هنا نجد تفعيلة زائدة ، ولا يكون شطر الكامل التام 4 تفعيلات ، بل 3 .
رابط القصيدة
http://alfakhora.net/vb/showthread.php?t=5536